فلما مات السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب، استمرّ الحال في الأسطول قليلا ثم قلّ الاهتمام به، وصار لا يفكر في أمره إلا عند الحاجة إليه، فإذا دعت الضرورة إلى تجهيزه طلب له الرجا لو قبض عليهم من الطرقات وقيدوا في السلاسل نهارا وسجنوا في الليل حتى لا يهربوا، ولا يصرف لهم إلّا شيء قليل من الخبز ونحوه، وربما أقاموا الأيام بغير شيء كما يفعل بالأسرى من العدوّ فصارت خدمة الأسطول عارا يسبّ به الرجال، وإذا قيل لرجل في مصر يا أسطوليّ، غضب غضبا شديدا، بعد ما كان خدّام الأسطول يقال لهم المجاهدون في سبيل الله، والغزاة في أعداء الله، ويتبرّك بدعائهم الناس.
ثم لما انقرضت دولة بني أيوب وتملك الأتراك المماليك مصر، أهملوا أمر الأسطول إلى أن كانت أيام السلطان الملك الظاهر ركن الدين بيبرس البندقداريّ، فنظر في أمر الشواني الحربية، واستدعى برجال الأسطول، وكان الأمراء قد استعملوهم في الحراريق وغيرها، وندبهم للسفر وأمر بمدّ الشواني وقطع الأخشاب لعمارتها وإقامتها على ما كانت عليه في أيام الملك الصالح نجم الدين أيوب، واحترز على الخراج ومنع الناس من التصرّف في أعواد العمل، وتقدّم بعمارة الشواني في ثغري الإسكندرية ودمياط، وصار ينزل بنفسه إلى الصناعة بمصر ويرتب ما يجب ترتيبه من عمل الشواني ومصالحها، واستدعى بشواني الثغور إلى مصر فبلغت زيادة على أربعين قطعة سوى الحراريق والطرائد، فإنها كانت عدّة كثيرة، وذلك في شوال سنة تسع وستين وستمائة، ثم سارت تريد قبرس، وقد عمل ابن حسون رئيس الشواني في أعلامها الصلبان، يريد بذلك أنها تفى إذا عبرت البحر على الفرنج حتى تطرقهم على غفلة، فكره الناس منه ذلك، فلما قاربت قبرس تقدّم ابن حسون في الليل ليهجهم المينا فصدم الشونة المقدّمة شعبا فانكسرت، وتبعتها بقية الشواني فتكسرت الشواني كلها، وعلم بذلك متملك قبرس فأسر كلّ من فيها، وأحاط بما معهم وكتب إلى السلطان يقرّعه ويوبخه، وأن شوانيه قد تكسرت، وأخذ ما فيها وعدّتها إحدى عشرة شونة، وأسر رجالها.
فحمد السلطان الله تعالى وقال: الحمد لله، منذ ملكني الله تعالى ما خذل لي عكسر، ولا ذلّت لي راية، وما زلت أخشى العين، فالحمد لله تعالى، بهذا ولا بغيره، وأمر بإنشاء عشرين شونة، وأحضر خمس شواني كانت على مدينة قوص من صعيد مصر، ولازم الركوب إلى صناعة العمارة بمصر كلّ يوم في مدّة شهر المحرّم سنة سبعين وستمائة إلى أن تنجزت، فلما كان في نصف المحرّم سنة إحدى وسبعين وستمائة، زاد النيل حتى لعبت الشواني بين يديه، فكان يوما مشهودا، في سنة اثنتين وتسعين وستمائة تقدّم السلطان الملك الأشرف صلاح الدين خليل بن قلاون إلى الوزير الصاحب شمس الدين محمد بن السلعوس