بتجهيز أمير الشواني، فنزل إلى الصناعة واستدعى الرئيس وهيأ جميع ما تحتاج إليه الشواني حتى كملت عدّتها، نحو ستين شونة، وشحنها بالعدد وآلات الحرب، ورتب بها عدّة من المماليك السلطانية، وألبسهم السلاح، فأقبل الناس لمشاهدتهم من كلّ أوب قبل ركوب السلطان بثلاثة أيام، وصنعوا لهم قصورا من خشب وأخصاص القش على شاطىء النيل خارج مدينة مصر وبالروضة، واكتروا الساحات التي قدّام الدور والزرابي بالمائتي درهم، كلّ زريبة ما دونها، بحيث لم يبق بيت بالقاهرة ومصر إلا وخرج أهله أو بعضهم لرؤية ذلك، فصار جمعا عظيما، وركب السلطان من قلعة الجبل بكرة، والناس قد ملأ وأما بين المقياس إلى بستان الخشاب إلى بلاق، وونف السلطان ونائبه الأمير بيدر وبقية الأمراء قدّام دار النحاس، ومنع الحجاب من التعرّض لطرد العامّة، فبرزت الشواني واحدة بعد واحدة، وقد عمل في كل شونة برج وقلعة تحاصر، والقتال عليها ملح، والنفط يرمى عليها، وعدّة من النقابين في أعمال الحيلة، في النقب، وما منهم إلّا من أظهر في شونته عملا معجبا وصناعة غريبة يفوق بها على صاحبه، وتقدّم ابن موسى الراعي وهو في مركب نيلية فقرأ قوله تعالى: بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ
[آل عمران/ ٢٦] إلى آخر الآية، هذا والشواني تتواصل بمحاربة بعضها بعضا إلى أن أذن لصلاة الظهر، فمضى السلطان بعسكره عائد إلى القلعة، فأقام الناس بقية يومهم وتلك الليلة على ما هم عليه من اللهو في اجتماعهم، وكان شيئا يجلّ وصفه، وأنفق فيه مال لا يعدّ، بحيث بلغت أجرة المركب في هذا اليوم ستمائة درهم فما دونها، وكان الرجل الواحد يؤخذ منه أجرة ركوبه في المركب خمسة دراهم، وحصل لعدّة من النواتية أجرة مراكبهم عن سنة في هذا اليوم، وكان الخبز يباع اثنا عشر رطلا بدرهم، فلكثرة اجتماع الناس بمصر بيع سبعة أرطال بدرهم، فبلغ خبر الشواني إلى بلاد الفرنج فبعثوا رسلهم بالهدايا يطلبون الصلح.
فلما كان المحرّم سنة اثنتين وسبعمائة في سلطنة الناصر محمد بن قلاون، جهزت الشواني بالعدد والسلاح والنفطية والأزودة، وعين لها جماعة من أجناد الحلقة، وألزم كلّ أمير بإرسال رجلين من عدّته، وألزم أمراء الطبلخاناه والعشروات بإخراج كلّ أمير من عدّته رجلا، وندب الأمير سيف الدين كهرداش المنصوريّ الزراق إلى السفر بهم ومعه جماعة من مماليك السلطان الزراقين، وزينت الشواني أحسن زينة، فخرج معظم الناس لرؤيتها وأقاموا يومين بلياليهما على الساحل بالبرّين، وكان جمعا عظيما إلى الغاية، وبلغت أجرة المركب الصغير مائة درهم لأجل الفرجة، ثم ركب السلطان بكرة يوم السبت ثاني عشر المحرّم ومعه الأمير سلار النائب، والأمير بيبرس الجاشنكير، وسائر الأمراء، والعسكر، فوقفت المماليك