على البرّ نحو بستان الخشاب، وعدّى الأمراء في الحراريق إلى الروضة، وخرجت الشواني واحدة بعد واحدة، فلعبت منها ثلاثة وخرجت الرابعة وفيها الأمير أقوش القاري من مينا الصناعة حتى توسط البحر، فلعب بها الريح إلى أن مالت وانقلبت، فصار أعلاها أسفلها فتداركها الناس ورفعوا ما قدروا عليه من العدد والسلاح، وسلمت الرجال فلم يعدم منهم سوى أقوش وحده، فتنكد الناس وعاد الأمراء إلى القلعة بالسلطان، وجهز شونة عوضا عن التي غرقت وساروا إلى مينا طرابلس، ثم ساروا ومعهم عدّة من طرابلس فأشرقوا من الغد على جزيرة أرواد من أعمال قبرس، وقاتلوا أهلها وقتلوا أكثرهم وملكوها في يوم الجمعة ثامن عشري صفر، واستولوا على ما فيها وهدموا أسوارها وعادوا إلى طرابلس، وأخرجوا من الغنائم الخمس للسلطان، واقتسموا ما بقي منها، وكان معهم مائتان وثمانون أسيرا، فسرّ السلطان بذلك سرورا كثيرا.
صناعة المقس: قال ابن أبي طيّ في تاريخه عند ذكر وفاة المعز لدين الله، أنه أنشأ دار الصناعة التي بالمقس، وأنشأ بها ستمائة مركب لم ير مثلها في البحر على ميناء. وقال المسبحي: أن العزيز بالله بن المعز هو الذي بنى دار الصناعة التي بالمقس، وعمل المراكب التي لم ير مثلها فيما تقدم كبرا ووثاقة وحسنا. وقال في حوادث سنة ست وثمانين وثلاثمائة: ووقعت نار في الأسطول وقت صلاة الجمعة، لست بقين من شهر ربيع الآخر، فأحرقت خمس عشاريات وأتت على جميع ما في الأسطول من العدّة والسلاح واتهموا الروم النصارى، وكانوا مقيمين بدار ماتك بجوار الصناعة التي بالمقس، وحملوا على الروم هم وجموع من العامّة معهم، فنهبوا أمتعة الروم وقتلوا منهم مائة رجل وسبعة رجال، وطرحوا جثثهم في الطرقات، وأخذ من بقي فحبس بصناعة المقس، ثم حضر عيسى بن نسطورس خليفة أمير المؤمنين العزيز بالله في الأموال ووجوهها بديار مصر والشام والحجاز، ومعه يانس الصقلبيّ، وهو يومئذ خليفة العزيز بالله على القاهرة عند مسيره إلى الشام، ومعهما مسعود الصقلبيّ متولي الشرطة، وأحضروا الروم من الصناعة فاعترفوا بأنهم الذين أحرقوا الأسطول، فكتب بذلك إلى العزيز بالله وهو مبرّز يريد السفر إلى الشام، وذكر له في الكتاب خبر من قتل من الروم وما نهب، وأنه ذهب في النهب ما يبلغ تسعين ألف دينار، فطاف أصحاب الشرط في الأسواق بسجل فيه الأمر برد ما نهب من دار ماتك وغيرها، والتوعد لمن ظهر عنده منه شيء، وحفظ أبو الحسن يانس البلد وضبط الناس، وأمر عيسى بن نسطورس أن يمدّ للوقت عشرون مركبا، وطرح الخشب وطلب الصناع وبات في الصناعة، وجدّ الصناع في العمل، وأغلب أحداث الناس وعامّتهم يلعبون برءوس القتلى ويجرّون بأرجلهم في الأسواق والشوارع، ثم قرنوا بعضهم إلى بعض على ساحل النيل بالمقس وأحرقوا يوم السبت، وضرب بالحرس على البلد، أن لا يتخلف أحد ممن نهب شيئا حتى يحضر ما نهبه ويردّه، ومن علم عليه بشيء أو كتم شيئا أو جحده أو أخره، حلت به العقوبة