الشديدة، وتتبع من نهب فقبض على عدّة قتل منهم عشرون رجلا ضربت أعناقهم، وضرب ثلاثة وعشرون رجلا بالسياط، وطيف بهم وفي عنق كلّ واحد رأس رجل ممن قتل من الروم، وحبس عدّة أناس، وأمر بمن ضربت أعناقهم فصلبوا عند كوم دينار، وردّ المصريون إلى المطبق، وكان ضرب من ضرب من النهابة وقتل من قتل منهم برقاع كتبت لهم، تناول كلّ واحد منهم رقعة فيها مكتوب إما بقتل أو ضرب، فأمضى فيهم بحسب ما كان في رقاعهم من قتل أو ضرب، واشتدّ الطلب على النهاية فكان الناس يدل بعضهم على بعض، فإذا أخذ أحد ممن اتهم بالنهب حلف بالأيمان المغلظة أنه ما بقى عنده شيء.
وجدّ عيسى بن نسطورس في عمل الأسطول وطلب الخشب، فلم يدع عند أحد خشبا علم به إلّا أخذه منه، وتزايد إخراج النهابة لما نهبوه، فكانوا يطرحونه في الأزقة والشوارع خوفا من أن يعرفوا به، وحبس كثير ممن أحضر شيئا أو عرف عليه من النهب، فلما كان يوم الخميس ثامن جمادى الأولى ضربت أعناقهم كلهم على يد أبي أحمد جعفر صاحب يانس، فإنه قدم في عسكر كثير من اليانسية حتى ضربت أعناق الجماعة، وأغلقت الأسواق يومئذ وطاف متولى الشرطة وبين يديه أرباب النفط بعددهم والنار مشتعلة، واليانسية ركاب بالسلاح، وقد ضرب جماعة وشهرهم بين يديه وهم ينادي عليهم هذا جزاء من أثار الفتن ونهب حريم أمير المؤمنين، فمن نظر فليعتبر فما تقال لهم عثرة ولا ترحم لهم عبرة في كلام كثير من هذا الجنس، فاشتدّ خوف الناس وعظم فزعهم، فلما كان من الغد نودي: معاشر الناس قد آمن الله من أخذ شيئا أو نهب شيئا على نفسه وما له، فليردّ من بقي عنده شيء من النهب، وقد أجلناكم من اليوم إلى مثله، وفي سابع جمادى الآخرة نزل ابن نسطورس إلى الصناعة وطرح مركبين في غاية الكبر من التي استعملها بعد حريق الأسطول، وفي غرّة شعبان نزل أيضا وطرح بين يديه أربعة مراكب كبارا من المنشأة بعد الحريق، واتفق موت العزيز بالله وهو سائر إلى الشام في مدينة بلبيس.
فلما قام من بعده ابنه الحاكم بأمر الله في الخلافة أمر في خامس شوال بحط الذين صلبهم ابن نسطورس، فتسلمهم أهلهم وأعطى لأهل كلّ مصلوب عشرة دنانير برسم كفنه ودفنه، وخلع على عيسى بن نسطورس وأقرّه في ديوان الخاص، ثم قبض عليه في ليلة الأربعاء سابع المحرّم سنة سبع وثمانين وثلاثمائة واعتقله إلى ليلة الاثنين سابع عشريه، فأخرجه الأستاذ برجوان وهو يومئذ يتولى تدبير الدولة إلى المقس، وضرب عنقه، فقال وهو ماض إلى المقس: كلّ شيء قد كنت أحسبه إلّا موت العزيز بالله، ولكن الله لا يظلم أحدا، والله إني لأذكر وقد ألقيت السهام للقوم المأخوذين في نهب دار ماتك، وفي بعضها مكتوب يقتل وفي أخرى يضرب، فأخذ شاب ممن قبض عليه رقعة منها منها فجاء فيها يقتل، فأمرت به إلى القتل، فصاحت أمّه ولطمت وجهها وحلفت أنها وهو ما كانا ليلة النهب في شيء من أعمال مصر، وإنما ورد أمصر بعد النهب بثلاثة أيام، وناشدتني الله تعالى