المقدار عليها قطع رخام منقوش عليها أسماء المقبورين وتاريخ وفاتهم، فنبشوا ونقلوا قريبا من القلعة، فكانوا خلقا كبيرا عظيما في الطول والعرش، على بعضهم ملاءة ديبقية ملوّنة، ساعة مستها الأيدي تمزقت وتطايرت هباء، وفيهم اثنان عليهما آلة الحرب وعدّة الجهاد، وبهما آثار الدماء والجراحات، وفي وجه أحد هما ضربة سيف بين عينيه، والجرح مسدود بقطنة، فلما أمسكت القطنة ورفعت عن الجرح فوق الحاجب، نبع من تحتها دم يظنّ أنه جرح طريّ، فكان في ذلك موعظة وذكرى، وكانت الطبلخاناه ساحة بغير سقف، فلما ولي الأمير سودون داز أمير أخور، وسكن الإصطبل السلطانيّ، عمّر هذه الطباق فوق الطباق، وكان الغرض من عمارتها صحيحا، فإن المدرسة الأشرفية كانت حينئذ قائمة تجاه الطبلخاناه، ولما كان زمان الفتن بين أمراء الدولة، تحصن فوقها طائفة ليرموا على الإصطبل والقلعة، فأراد بناء هذه الطباق فوق الطباق أن يجعل بها رماة، حتى لا يقدر أحد يقيم فوق المدرسة الأشرفية، وقد بطل ذلك، فإن الملك الناصر فرج بن برقوق هدم المدرسة الأشرفية، كما ذكر في هذا الكتاب عند ذكر المدارس.
الطباق بساحة الإيوان: عمّرها الملك الناصر محمد بن قلاون، وأسكنها المماليك السلطانية، وعمر حارة تختص بهم، وكانت الملوك تعني بها غاية العناية، حتى أن الملك المنصور قلاون كان يخرج في غالب أوقاته إلى الرحبة عند استحقاق حضور الطعام للمماليك، ويأمر بعرضه عليه ويتفقد لحمهم ويختبر طعامهم في جودته ورداءته، فمتى رأى فيه عيبا اشتدّ على المشرف والاستادار ونهر هما وحلّ بهما منه أيّ مكروه، وكان يقول: كلّ الملوك عملوا شيئا يذكرون به ما بين مال وعقار، وأنا عمّرت أسوارا وعملت حصونا مانعة لي ولأولادي وللمسلمين، وهم المماليك، وكانت المماليك أبدا تقيم بهذه الطبقات لا تبرح فيها، فلما تسلطن الملك الأشرف خليل بن قلاون سمح للمماليك أن ينزلوا من القلعة في النهار ولا يبتوا إلا بها، فكان لا يقدر أحد منهم أن يبيت بغيرها، ثم أنّ الملك الناصر محمد بن قلاون سمح لهم بالنزول إلى الحمام يوما في الأسبوع، فكانوا ينزلون بالنوبة مع الخدّام، ثم يعودون آخر نهارهم، ولم يزل هذا حالهم إلى أن انقرضت أيام بني قلاون، وكانت للمماليك بهذه الطباق عادات جميلة، أوّلها أنه إذا قدم بالمملوك تاجره عرضه على السلطان ونزله في طبقات جنسه وسلمه لطواشيّ برسم الكتابة، فأوّل ما يبدأ به تعليمه ما يحتاج إليه من القرآن الكريم، وكانت كلّ طائفة لها فقيه يحضر إليها كلّ يوم ويأخذ في تعليمها كتاب الله تعالى ومعرفة الخط والتمرّن بآداب الشريعة، وملازمة الصلوات والأذكار، وكان الرسم إذ ذاك أن لا تجلب التجار إلا المماليك الصغار، فإذا شبّ الواحد من المماليك علّمه الفقيه شيئا من الفقه، وأقرأه فيه مقدّمة، فإذا صار إلى سنّ البلوغ أخذ في تعليمه أنواع الحرب من رمى السهام ولعب الرمح ونحو ذلك، فيتسلم كلّ طائفة معلم حتى يبلغ الغاية في معرفة ما يحتاج إليه، وإذا ركبوا إلى لعب الرمح أو رمي النشاب لا يجسر جندي ولا