خليل تكميل عدّتها عشرة آلاف مملوك، وجعلهم طوائف، فأفرد طائفتي الأرمن والجركس وسماها البرجية لأنه أسكنها في أبراج بالقلعة، فبلغت عدّتهم ثلاثة آلاف وسبعمائة، وأفرد جنس الخطا والقبجاق وأنزلهم بقاعة عرفت بالذهبية والزمرذية، وجعل منهم جمدارية وسقاة، وسماهم خاصكية، وعمل البرجية سلاحدارية وجمقدارية وجاشنكيرية وأوشاقية، ثم شغف الملك الناصر محمد بن قلاون بجلب المماليك من بلاد أزبك وبلاد توريز وبلاد الروم وبغداد، وبعث في طلبهم وبذل الرغائب للتجار في حملم إليه، ودفع فيهم الأموال العظيمة، ثم أفاض على من يشتريه منهم أنواع العطاء من عامّة الأصناف دفعة واحدة في يوم واحد، ولم يراع عادة أبيه ومن كان قبله من الملوك في تنقل المماليك في أطوار الخدم حتى يتدرب ويتمرّن، كما تقدّم، وفي تدريجه من ثلاثة دنانير في الشهر إلى عشرة دنانير، ثم نقله من الجامكية إلى وظيفة من وظائف الخدمة، بل اقتضى رأيه أن يملأ أعينهم بالعطاء الكثير دفعة واحدة، فأتاه من المماليك شيء كثير رغبة فيما لديه، حتى كان الأب يبيع ابنه للتاجر الذي يجلبه إلى مصر، وبلغ ثمن المملوك في أيامه إلى مائة ألف درهم فما دونها، وبلغت نفقات المماليك في كلّ شهر إلى سبعين ألف درهم، ثم تزايدت حتى صارت في سنة ثمان وأربعين وسبعمائة مائتين وعشرين ألف درهم.
دار النيابة: كان بقلعة الجبل دار نيابة بناها الملك المنصور قلاون في سنة سبع وثمانين وستمائة، سكنها الأمير حسام الدين طرنطاي، ومن بعده من نوّاب السلطنة، وكانت النوّاب تجلس بشباكها حتى هدمها الملك الناصر محمد بن قلاون في سنة سبع وثلاثين وسبعمائة، وأبطل النيابة وأبطل الوزارة أيضا، فصار موضع دار النيابة ساحة، فلما مات الملك الناصر أعاد الأمير قوصون دار النيابة عند استقراره في نيابة السلطنة، فلم تكمل حتى قبض عليه، فولي نيابة السلطنة الأمير طشتمر حمص أخضر وقبض عليه، فتولى بعد نيابة السلطنة الأمير شمس الدين آق سنقر في أيام الملك الصالح إسماعيل بن الملك الناصر محمد بن قلاون، فجلس بها في يوم السبت أوّل صفر سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة في شباك دار النيابة، وهو أوّل من جلس بها من النوّاب بعد تجديدها، وتوارثها النوّاب بعده، وكانت العادة أن يركب جيوش مصر يومي الاثنين والخميس في الموكب تحت القلعة، فيسيرون هناك من رأس الصوة إلى باب القرافة، ثم تقف العسكر مع نائب السلطنة وينادى على الخيل بينهم، وربما نودي على كثير من آلات الجند والخيم والجركاوات والأسلحة، وربما نودي على كثير من العقار، ثم يطلعون إلى الخدمة السلطانية بالإيوان بالقلعة على ما تقدّم ذكره، فإذا مثل النائب في حضرة السلطان، وقف في ركن الإيوان إلى أن تنقضي الخدمة، فيخرج إلى دار النيابة والأمراء معه، ويمدّ السماط بين يديه كما يمدّ سماط السلطان، ويجلس جلوسا عاما للناس، ويحضره أرباب الوظائف، وتقف قدّامه الحجاب، وتقرأ القصص، وتقدّم إليه الشكاة، ويفصل أمورهم.