من مرّ بقوم وهم يأكلون فله أن ينزل ويأكل معهم من غير إذنهم، وليس لأحد منعه.
وألزمهم أن لا يدخل أحد منهم يده في الماء، ولكنه يتناول الماء بشيء يغترفه به، ومنعهم من غسل ثيابهم بل يلبسونها حتى تبلى، ومنه أن يقال لشيء أنه نجس، وقال: جميع الأشياء طاهرة، ولم يفرق بين طاهر ونجس. وألزمهم أن لا يتعصبوا لشيء من المذاهب، ومنعهم من تفخيم الألفاظ ووضع الألقاب، وإنما يخاطب السلطان ومن دونه ويدعى باسمه فقط، وألزم القائم بعده بعرض العساكر وأسلحتها إذا أرادوا الخروج إلى القتال. وأنّه يعرض كلّ ما سافر به عسكره، وينظر حتى الإبرة والخيط، فمن وجده قد قصر في شيء مما يحتاج إليه عند عرضه أياه عاقبه. وألزم نساء العساكر بالقيام بما على الرجال من السخر والكلف في مدّة غيبتهم في القتال، وجعل على العساكر إذا قدمت من القتال كلفة يقومون بها للسلطان ويؤدّونها إليه. وألزمهم عند رأس كلّ سنة بعرض سائر بناتهم الأبكار على السلطان ليختار منهنّ لنفسه وأولاده.
ورتب لعساكره أمراء وجعلهم أمراء ألوف وأمراء مئين وأمراء عشراوات، وشرّع أن أكبر الأمراء إذا أذنب وبعث إليه الملك أخس من عنده حتى يعاقبه فإنه يلقي نفسه إلى الأرض بين يدي الرسول وهو ذليل خاضع، حتى يمضي فيه ما أمر به الملك من العقوبة، ولو كانت بذهاب نفسه. وألزمهم أن لا يتردّد الأمراء لغير الملك، فمن تردّد منهم لغير الملك قتل، ومن تغير عن موضعه الذي يرسم له بغير إذن قتل. وألزم السلطان بإقامة البريد حتى يعرف أخبار مملكته بسرعة، وجعل حكم الياسه لولده جقتاي بن جنكز خان، فلما مات التزم من بعده من أولاده وأتباعهم حكم الياسه، كالتزام أوّل المسلمين حكم القرآن، وجعلوا ذلك دينا لم يعرف عن أحد منهم خالفته بوجه.
فلما كثرت وقائع التتر في بلاد المشرق والشمال وبلاد القبجاق، وأسروا كثيرا منهم وباعوهم، تنقلوا في الأقطار، واشترى الملك الصالح نجم الدين أيوب جماعة منهم سماهم البحرية، ومنهم من ملك ديار مصر، وأوّلهم المعز أيبك. ثم كانت لقطز معهم الواقعة المشهورة على عين جالوت، وهزم التتار وأسر منهم خلقا كثيرا صاروا بمصر والشام، ثم كثرت الوافدية في أيام الملك الظاهر بيبرس وملؤوا مصر والشام، وخطب للملك بركة بن يوشي بن جنكز خان على منابر مصر والشام والحرمين، فغصت أرض مصر والشام بطوائف المغل، وانتشرت عاداتهم بها وطرائقهم، هذا وملوك مصر وأمراؤها وعساكرها قد ملئت قلوبهم رعبا من جنكز خان وبنيه، وامتزج بلحمهم ودمهم مهابتهم وتعظيمهم، وكانوا إنما ربّوا بدار الإسلام ولقّنوا القرآن وعرفوا أحكام الملة المحمدية، فجمعوا بين الحق والباطل، وضموا الجيد إلى الرديء، وفوّضوا القاضي القضاة كل ما يتعلق بالأمور الدينية من الصلاة والصوم والزكاة والحج، وناطوبه أمر الأوقاف والأيتام، وجعلوا إليه النظر في الأقضية الشرعية، كتداعي الزوجين وأرباب الديون ونحو ذلك، واحتاجوا في ذات أنفسهم إلى