المدارس التي يستدرون من أوقافها، وكان أيضا يصرف على سبيل الصدقات الجارية والرواتب الدارة على جهات، ما بين مبلغ وغلة وخبز ولحم وزيت وكسوة وشعير، هذا سوى الأرض من النواحي التي يعرف المرتب عليها بالرزق الإحباسية، وكانوا يتوارثون هذه المرتبات ابنا عن أب، ويرثها الأخ عن أخيه، وابن العم عن ابن العمّ، بحيث أنّ كثيرا ممن مات وخرج ادراره من مرتبة لأجنبيّ، لما جاء قريبه وقدّم قصته يذكر فيها أولويته بما كان لقريبه، أعيد إليه ذلك المرتب ممن كان خرج باسمه.
نظر البيوت: كان من الوظائف الجليلة، وهي وظيفة متوليها منوط بالأستادار، فكلّ ما يتحدّث فيه أستادار السلطان فإنه يشاركه في التحدّث، وهذا كان أيام كون الأستادار ونظره لا يتعدّى بيوت السلطان، وما تقدّم ذكره، فأما منذ عظم قدر الأستادار ونفذت كلمته في جمهور أموال الدولة، فإن نظر البيوت اليوم شيء لا معنى له.
نظر بيت المال: كان وظيفة جليلة معتبرة، وموضوع متوليها التحدّث في حمول المملكة مصرا وشاما إلى بيت المال بقلعة الجبل، وفي صرف ما ينصرف منه، تارة بالوزن، وتارة بالتسبيب بالأقلام، وكان أبدا يصعد ناظر بيت المال ومعه شهود بيت المال وصيرفيّ بيت المال وكاتب المال إلى قلعة الجبل، ويجلس في بيت المال، فيكون له هناك أمر ونهي وحال جليلة لكثرة الحمول الواردة، وخروج الأموال المصروفة في الرواتب لأهل الدولة، وكانت أمرا عظيما، بحيث أنها بلغت في السنة نحو أربعمائة ألف دينار، وكان لا يلي نظر بيت المال إلا من هو من ذوي العدالات المبرزة، ثم تلاشى المال وبيت المال، وذهب الاسم والمسمّى، ولا يعرف اليوم بيت المال من القلعة، ولا يدرى ناظر بيت المال من هو.
نظر الإصطبلات: هذه الوظيفة جليلة القدر إلى اليوم، وموضوعها الحديث في أموال الإصطبلات والمناخات وعليقها وأرزاق من فيها من المستخدمين، وما بها من الاستعمالات والإطلاق، وكل ما يبتاع لها أو يبتاع بها، وأوّل من استجدّها الملك الناصر محمد بن قلاون، وهو أوّل من زاد في رتبة أمير اخور واعتنى بالأوجاقية والعرب الركابة، وكان أبوه المنصور قلاون يرغب في خيل برقة أكثر من خيل العرب، ولا يعرف عنه أنه اشترى فرسا بأكثر من خمسة آلاف درهم، وكان يقول خيل برقة نافعة، وخيل العرب زينة، بخلاف الناصر محمد، فإنه شغف باستدعاء الخيول من عرب آل مهنا وآل فضل وغيرهم، وبسببها كان يبالغ في إكرام العرب ويرغبهم في أثمان خيولهم حتى خرج عن الحدّ في ذلك، فكثرت رغبة آل مهنا وغيرهم في طلب خيول من عداهم من العربان، وتتبعوا عتاق الخيل من مظانها، وسمحوا بدفع الأثمان الزائدة على قيمتها حتى أتتهم طوائف العرب بكرائم خيولهم، فتمكنت آل مهنا من السلطان وبلغوا في أيامه الرتب العلية، وكان لا يحب خيول برقة، وإذا أخذ منها شيئا أعدّه للتفرقة على الأمراء البرّانيين، ولا يسمح بخيول آل مهنا إلّا