للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما من ولي الوزارة بمفردها، سيما من أرباب الأقلام، فإنما هو كاتب كبير يتردّد ليلا ونهارا إلى باب الأستادار، ويتصرّف بأمره ونهيه، وحقيقة الوزارة اليوم أنها انقسمت بين أربعة وهم: كاتب السرّ، والأستادار، وناظر الخاص، والوزير. فأخذ كاتب السرّ من الوزارة التوقيع على القصص بالولايات والعزل ونحو ذلك في دار العدل وفي داره. وأخذ الأستادار التصرّف في نواحي أرض مصر، والتحدّث في الدواوين السلطانية، وفي كشف الأقاليم، وولاة النواحي، وفي كثير من أمور أرباب الوظائف، وأخذ ناظر الخاص جانبا كبيرا من الأموال الديوانية السلطانية، ليصرفها في تعلقات الخزانة السلطانية، وبقي للوزير شيء يسير جدّا من النواحي، والتحدّث في المكوس، وبعض الدواوين، ومصارف المطبخ السلطاني والسواقي، وأشياء أخر، وإليه مرجع ناظر الدولة، وشادّ الدواوين، وناظر بيت المال، وناظر الأهراء ومستوفي الدولة، وناظر الجهات، وأمّا ناظر البيوت وناظر الإصطبلات، فإنه أمرهما يرجع إلى غيره. والله أعلم.

نظر الدولة: هذه الوظيفة يقال لمتوليها ناظر النظار، ويقال له ناظر المال، وهو يعرف اليوم بناظر الدولة، وتلي رتبته رتبة الوزارة، فإذا غاب الوزير وتعطلت الوزارة من وزير، قام ناظر الدولة بتدبير الدولة، وتقدّم إلى شادّ الدواوين بتحصيل الأموال وصرفها في النفقات والكلف، واقتصر الملك الناصر محمد بن قلاون على ناظر الدولة مدّة أعوام من غير تولية وزير، ومشّى أمور الدولة على ذلك حتى مات، ولا بدّ أن يكون مع ناظر الدولة مستوفون يضبطون كلّيّات المملكة وجزئياتها، ورأس المستوفين مستوفي الصحبة، وهو يتحدّث في سائر المملكة مصرا وشاما، ويكتب مراسيم يعلّم عليها السلطان، فتكون تارة بما يعمل في البلاد، وتارة بالإطلاقات، وتارة باستخدام كتّاب في صغار الأعمال، ومن هذا النحو وما يجري مجراه.

ديوان النظر: وهي وظيفة جليلة تلي نظر الدولة، وبقية المستوفين كلّ منهم حديثه مقيد، لا يتعدّى حديثه قطرا من أقطار المملكة، وهذا الديوان، أعني ديوان النظر، هو أرفع دواوين المال، وفيه تثبت التواقيع والمراسيم السلطانية، وكلّ ديوان من دواوين المال إنما هو فرع هذا الديوان، وإليه يرفع حسابه وتتناهى أسبابه، وإليه يرجع أمر الاستيمار الذي يشتمل على أرزاق ذوي الأقلام وغيرهم. مياومة ومشاهرة ومسانهة من الرواتب، وكانت أرزاق ذوي الأقلام مشاهرة من مبلغ عين وغلة، وكان لأعيانهم الرواتب الجارية في اليوم من اللحم بتوابله أو غير توابله، والخبز والعليق لدوابهم، وكان لأكابرهم السكر والشمع والزيت والكسوة في كلّ سنة والأضحية، وفي شهر رمضان السكر والحلوى، وأكثرهم نصيبا الوزير، وكان معلومه في الشهر مائتين وخمسين دينارا جيشية، مع الأصناف المذكورة والغلة، وتبلغ نظير المعلوم. ثم ما دون ذلك من المعلوم لمن عدا الوزير وما دون دونه، وكان معلوم القضاة والعلماء أكثره خمسون دينارا في كلّ شهر، مضافا لما بيدهم من

<<  <  ج: ص:  >  >>