للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوليد بن عتبة تقطر لحيته خمرا؟ فقال: إنّا قد نهينا عن التجسس، فإن ظهر لنا شيء نأخذ به، وكان عمر رضي الله عنه يتولى في خلافته العسس بنفسه، ومعه مولاه أسلم رضي الله عنه، وكان ربما استصحب معه عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه.

قاعة الصاحب: وكانت وظيفة الوزارة أجلّ رتب أرباب الأقلام، لأنّ متوليها ثاني السلطان إذ أنصف وعرف حقه، إلّا أن ملوك الدولة التركية قدّموا رتبة النيابة على الوزارة، فتأخرت الوزارة حتى قعد بها مكانها، ووليها في الدولة التركية أناس من أرباب السيوف وأناس من أرباب الأقلام، فصار الوزير إذا كان من أرباب الأقلام يطلق عليه اسم الصاحب، بخلاف ما إذا كان من أرباب السيوف فإنه لا يقال له الصاحب، وأصل هذه الكلمة في إطلاقها على الوزير، أنّ الوزير إسماعيل بن عباد كان يصحب مؤيد الدولة أبا منصور بويه بن ركن الدولة الحسن بن بويه الديلميّ، صاحب بلاد الرّيّ، وكان مؤيد الدولة شديد الميل إليه والمحبة له، فسماه الصاحب، وكان الوزير حينئذ أبو الفتح عليّ بن العميد يعاديه لشدّة تمكنه من مؤيد الدولة، فتلقب الوزراء بعد ابن عباد بالصاحب، ولا أعلم أحدا من وزراء خلفاء بني العباس، ولا وزراء الخلفاء الفاطميين قيل له الصاحب، وقد جمعت في وزراء الإسلام كتابا جليل القدر، وأفردت وزراء مصر في تصنيف بديع، والذي أعرف، أنّ الوزير صفيّ الدين عبد الله بن شكر وزير العادل والكامل من ملوك مصر من بني أيوب، كان يقال له الصاحب، وكذلك من بعده من وزراء مصر إلى اليوم.

وكان وضع الوزير أنّه أقيم لنفاذ كلمة السلطان وتمام تصرّفه، غير أنها انحطت عن ذلك بنيابة السلطنة، ثم انقسم ما كان للوزير إلى ثلاثة هم: الناظر في المال، وناظر الخاص، وكاتب السرّ، فإنه يوقع في دار العدل ما كان يوقع فيه الوزير بمشاورة واستقلال.

ثم تلاشت الوزارة في أيام الظاهر برقوق بما أحدثه من الديوان المفرد، وذلك أنه لما ولي السلطنة أفرد إقطاعه لما كان أميرا قبل سلطنته، وجعل له ديوانا سمّاه الديوان المفرد، وأقام فيه ناظرا وشاهدين وكتابا، وجعل مرجع هذا الديوان إلى الأستادار، وصرف ما يتحصل منه في جوامك مماليك استجدّها شيئا بعد شيء حتى بلغت خمسة آلاف مملوك، وأضاف إلى هذا الديوان كثيرا من أعمال الديار المصرية، وبذلك قوي جانب الاستادار، وضعفت الوزارة حتى صار الوزير قصار نظره التحدّث في أمر المكوس، فيستخرجها من جهاتها ويصرفها في ثمن اللحم وحوايج المطبخ وغير ذلك، ولقد كان الوزير الصاحب سعد الدين نصر الله بن البقريّ يقول: الوزارة اليوم عبارة عن حوايج كاش عفش، يشتري اللحم والحطب وحوايج الطعام، وناظر الخاص غلام صلف يشتري الحرير والصوف والنصافي والسنجاب، وأمّا ما كان للوزراء ونظار الخاص في القديم فقد بطل، ولقد صدق فيما قال، فإنّ الأمر على هذا.

وما رأينا الوزارة من بعد انحطاط رتبتها يرتفع قدر متوليها إلّا إذا أضيفت إلى الأستادارية، كما وقع للأمير جمال الدين يوسف الأستادار، والأمير فخر الدين عبد الغنيّ بن أبي الفرج.

<<  <  ج: ص:  >  >>