للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السلطان بمرسوم مما يكتب، فيعين رسالته في المرسوم، واختلفت آراء ملوك الترك في الدوادار، فتارة كان من أمراء العشراوات والطبلخاناه، وتارة كان من أمراء الألوف.

فلما كانت أيام الأشرف شعبان بن حسين بن محمد بن قلاون، ولي الأمير اقتمر الحنليّ وظيفة الدوادارية، وكان عظيما في الدولة، فصار يخرج المراسيم السلطانية بغير مشاورة، كما يخرج نائب السلطنة، ويعين في المرسوم إذ ذاك انه كتب برسالته، ثم نقل إلى نيابة السلطنة وأقام الأشرف عوضة الأمير طاش تمر الدوادار، وجعله من أكبر أمراء الألوف، فاقتدى به الملك الظاهر برقوق وجعل الأمير يونس الدوادار من أكبر أمراء الألوف، فعظمت منزلته وقويت مهابته، ثم لما عادت الدولة الظاهرية بعد زوالها، ولي الدوادارية الأمير بوطا، فتحكم تحكما زائدا عن المعهود في الدوادارية، وتصرّف كتصرّف النوّاب، وولّى وعزل وحكم في القضايا المعضلة، فصار ذلك من بعده عادة لمن ولي الدوادارية، سيما لما ولي الأمير يشبك والأمير حكم الدوادارية في أيام الناصر فرج، فإنهما تحكمت في جليل أمور الدولة وحقيرها، من المال والبريد والأحكام والعزل والولاية، وما برح الحال على هذا في الأيام الناصرية، وكذلك الحال في الأيام المؤيدية يقارب ذلك.

نقابة الجيوش: هذه الرتبة كانت في الدولة التركية من الرتب الجليلة، ويكون متوليها كأحد الحجاب الصغار، وله تحلية الجند في عرضهم، ومعه يمشي النقباء، فإذا طلب السلطان أو النائب أو حاجب الحجاب أميرا أو جنديا، كان هو المخاطب في الإرسال إليه، وهو الملزوم بإحضاره، وإذا أمر أحد منهم بالترسيم على أمير أو جنديّ، كان نقيب الجيش هو الذي يرسم عليه، وكان من رسمه أنه هو الذي يمشي بالحراسة السلطانية في الموكب حالة السرحة، وفي مدّة السفر، ثم انحطت اليوم هذه الرتبة، وصار نقيب الجيش عبارة عن كبير من النقباء المعدّين لترويع خلق الله تعالى، وأخذ أموالهم بالباطل على سبيل القهر، عند طلب أحد إلى باب الحاجب، ويضيفون إلى أكلهم أموال الناس بالباطل افتراءهم على الله تعالى بالكذب، فيقولون على المال الذي يأخذونه باطلا هذا حق الطريق، والويل لمن نازعهم في ذلك، وهم أحد أسباب خراب الإقليم كما بين في موضعه من هذا الكتاب، عند ذكر الأسباب التي أوجبت خراب الإقليم.

الولاية: وهي التي يسميها السلف الشرطة، وبعضهم يقول صاحب العسس، والعسس الطواف بالليل لتتبع أهل الريب يقال: عس يعس عسا وعسسا. وأوّل من عس بالليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أمره أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه بعس المدينة. خرّج أبو داود عن الأعمش عن زيد قال: أتى عبد الله بن مسعود فقيل له: هذا فلان تقطر لحيته خمرا، فقال عبد الله رضي الله عنه: إنّا قد نهينا عن التجسس، ولكن إن يظهر لنا شيء نأخذ به. وذكر الثعلبيّ عن زيد بن وهب أنه قال: قيل لابن مسعود رضي الله عنه، هل لك في

<<  <  ج: ص:  >  >>