الجيش، وأمر بحفر خليج صغير يخرج من البحر ويمرّ إلى حائط الرصد، وينقر في الحجر تحت الرصد عشر آبار يصبّ فيها الخليج المذكور، ويركّب على الآبار السواقي لتنقل الماء إلى القناطر العتيقة التي تحمل الماء إلى القلعة. زيادة لمائها، وكان فيما بين أوّل هذا المكان الذي عيّن لحفر الخليج وبين آخره تحت الرشد، أملاك كثيرة. وعدّة بساتين، فندب الأمير أقبغا عبد الوحد لحفر هذا الخليج وشراء الأملاك من أربابها، فحفر الخليج وأجراه في وسط بستان الصاحب بهاء الدين بن حنا، وقطع أنشابه وهدم الدور، وجمع عامّة الحجارين لقطع الحجر، ونقر الآبار، وصار السلطان يتعاهد النزول للعمل كلّ قليل، فعمل عمق الخليج من فم البحر أربع قصبات، وعمق كلّ بئر في الحجر أربعين ذراعا، فقدّر الله تعالى موت الملك الناصر قبر تمام هذا العمل، فبطل ذلك وانطمّ الخليج بعد ذلك، وبقيت منه إلى اليوم قطعة بجوار رباط الآثار، وما زالت الحائط قائمة من حجر في غاية الإتقان من إحكام الصناعة. وجودة البناء عند سطح الجرف الذي يعرف اليوم بالرصد، قائما من الأرض في طول الجرف إلى أعلاه، حتى هدمه الأمير يلبغا السالميّ في سنة اثنتي عشرة وثمانمائة، وأخذ ما كان به من الحجر فرمّ به القناطر التي تحمل إلى اليوم حتى يصل إلى القلعة، وكانت تعرف بسواقي السلطان، فلما هدمت جهل أكثر الناس أمرها ونسوا ذكرها.
المطبخ: كان أوّلا موضعه في مكان الجامع، فأدخله السلطان الملك الناصر محمد بن قلاون فيما زاده في الجامع، وبنى هذا المطبخ الموجود الآن، وعمل عقوده بالحجارة خوفا من الحريق، وكانت أحوال المطبخ متسعة جدا سيما في سلطنة الأشرف خليل بن قلاون، فإنه تبسط في المآكل وغيرها، حتى لقد ذكر جماعة من الأعيان أنهم أقاموا مدّة سفرهم معه يرسلون كلّ يوم عشرين درهما فيشترى لهم بها مما يأخذه الغلمان، أربع خوافق صيني مملوءة طعاما مفتخرا بالقلوبات ونحوها، في كلّ خافقية ما ينيف على خمسة عشر رطل لحم، أو عشرة أطيار دجار سمان، وبلغ راتب الحوايج خاناه في أيام الملك العادل كتبغا كلّ يوم عشرين ألف رطل لحم، وراتب البيوت والجرايات غير أرباب الرواتب في كلّ يوم سبعمائة أردب قمحا، واعتبر القاضي شرف الدين عبد الوهاب النشو ناظر الخاص أمر المطبخ السلطانيّ في سنة تسع وثلاثين وسبعمائة، فوجد عدّة الدجاج الذي يذبح في كلّ يوم للسماط والمخاطي التي تخص السلطان ويبعث بها إلى الأمراء سبعمائة طائر، وبلغ مصروف الحوايج خاناه في كلّ يوم ثلاثة عشر ألف درهم، فأكثر أولاد الناصر من مصروفها حتى توقفت أحوال الدولة في أيام الصالح إسماعيل، وكتبت أوراق بكلف الدولة في سنة خمس وأربعين وسبعمائة، فبلغت في السنة ثلاثين ألف ألف درهم، ومنها مصروف الحوايج خاناه في كلّ يوم اثنان وعشرون ألف درهم. وبلغ في أيام الناصر محمد بن قلاون راتب السكّر في شهر رمضان خاصة من كل سنة، ألف قنطار، ثم تزايد حتى بلغ في شهر رمضان سنة خمس وأربعين وسبعمائة ثلاثة آلاف قنطار، عنها ستمائة ألف درهم، عنها ثلاثون ألف