خدمة ولدي السلطان عليّ وحاجي مع من استقرّ من خشداشيته «١» ، فعرفوا باليلبغاوية إلى أن خرج السلطان إلى الحج، فثاروا بعد سفره وسلطنوا ابنه عليا، وحكم في الدولة منهم الأمير قرطاي الشهابيّ، فثار عليه خشداشية أينبك البدريّ، فأخرجه إلى الشام وقام بعده بتدبير الدولة، وخرج إلى الشام فثارت عليه اليلبغاوية وفيهم برقوق، وقد صار من جملة الأمراء، فعاد قبل وصوله بلبيس، ثم قبض عليه، وقام بتدبير الدولة غير واحد في أيام يسيرة، فركب برقوق في يوم الأحد ثالث عشري ربيع الآخر سنة تسع وسبعين وسبعمائة، وقت الظهيرة، في طائفة من خشداشيته وهجم على باب السلسلة وقبض على الأمير يلبغا الناصريّ، وهو القائم بتدبير الدولة، وملك الإصطبل وما زال به حتى خلع الصالح حاجي وتسلطن في يوم الأربعاء تاسع عشر رمضان سنة أربع وثمانين وسبعمائة وقت الظهر، فغير العوائد وأفنى رجال الدولة، واستكثر من جلب الجراكسة إلى أن ثار عليه الأمير يلبغا الناصريّ، وهو يومئذ نائب حلب، وسار إليه ففرّ من قلعة الجبل في ليلة الثلاثاء خامس جمادى الأولى سنة إحدى وتسعين، وملك الناصريّ القلعة وأعاد الصالح حاجي ولقبه بالملك المنصور، وقبض على برقوق وبعثه إلى الكرك فسجنه بها، فثار الأمير منطاش على الناصري وقبض عليه وسجنه بالإسكندرية، وخرج يريد محاربة برقوق وقد خرج من سجن الكرك، وسار إلى دمشق في عسكر، فحاربه برقوق على شقجب ظاهر دمشق وملك ما معه من الخزائن، وأخذ الخليفة والسلطان حاجي والقضاة وسار إلى مصر، فقدمها يوم الثلاثاء رابع عشر صفر سنة اثنتين وتسعين، واستبدّ بالسلطنة حتى مات ليلة الجمعة للنصف من شوّال سنة إحدى وثمانمائة، فكانت مدّته أتابكا وسلطانا إحدى وعشرين سنة وعشرة أشهر وستة عشر يوما، خلع فيها ثمانية أشهر وتسعة أيام. وقام من بعده ابنه.
السلطان الملك الناصر زين الدين أبو السعادات فرج: في يوم الجمعة المذكور، وعمره نحو العشر سنين، فدبر أمر الدولة الأمير الكبير ايتمش، ثم ثار به الأمير يشبك وغيره، ففرّ إلى الشام وقتل بها، ولم تزل أيام الناصر كلها كثيرة الفتن والشرور والغلاء والوباء، وطرق بلاد الشام فيها الأمير تيمورلنك فخرّبها كلها وحرّقها، وعمها بالقتل والنهب والأسر حتى فقد منها جميع أنواع الحيوانات، وتمزق أهلها في جميع أقطار الأرض، ثم دهمها بعد رحيله عنها جراد لم يترك بها خضراء، فاشتدّ بها الغلاء على من تراجع إليها من أهلها، وشنع موتهم، واستمرّت بها مع ذلك الفتن، وقصر مدّ النيل بمصر حتى شرقت الأراضي إلّا قليلا، وعظم الغلاء والفناء، فباع أهل الصعيد أولادهم من الجوع، وصاروا أرقاء مملوكين، وشمل الخراب الشنيع عامّة أرض مصر وبلاد الشام من حيث يصب النيل من الجنادل إلى حيث مجرى الفرات، وابتلى مع ذلك بكثرة فتن الأميرين نوروز الحافظي