في عرض ثلاثين ذراعا، وجعل الطريق يطيف به من كلّ جهة، وجعل له بابان يقابلان دار عمرو بن العاص، وجعل له بابان في بحريه، وبابان في غربيه، وكان الخارج إذا خرج من زقاق القناديل وجد ركن المسجد الشرقيّ محاذيا لركن دار عمرو بن العاص الغربيّ، وذلك قبل أن أخذ من دار عمرو بن العاص ما أخذ، وكان طوله من القبلة إلى البحري مثل طول دار عمرو بن العاص، وكان سقفه مطاطأ جدّا ولا صحن له، فإذا كان الصيف جلس الناس بفنائه من كلّ ناحية، وبينه وبين دار عمرو سبع أذرع.
قلت: وأوّل من جلس على منبر أو سرير ذي أعواد ربيعة بن محاسن. وقال القضاعيّ في كتاب الخطط: وكان عمرو بن العاص قد اتخذ منبرا، فكتب إليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعزم عليه في كسره ويقول: أما يحسبك أن تقوم قائما والمسلمون جلوس تحت عقبيك، فكسره. قال مؤلفه رحمه الله: وفي سنة إحدى وستين ومائة، أمر المهديّ محمد بن أبي جعفر المنصور بتقصير المنابر وجعلها بقدر منبر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم. قال القضاعيّ: وأوّل من صلّى عليه من الموتى داخل الجامع، أبو الحسين سعيد بن عثمان صاحب الشرط، في النصف من صفر، وكانت وفاته فجأة، فأخرج ضحوة يوم الأحد السادس عشر من صفر، وصلّي عليه خلف المقصورة وكبّر عليه خمسا، ولم يعلم أحد قبله صلّي عليه في الجامع. وذكر عمر بن شيبة في تاريخ المدينة، أنّ أوّل من عمل مقصورة بلبن، عثمان بن عفان، وكانت فيها كوى تنظر الناس منها إلى الإمام، وأن عمر بن عبد العزيز عملها بالساج. قال القضاعيّ: ولم تكن الجمعة تقام في زمن عمرو بن العاص بشيء من أرض مصر إلّا في هذا الجامع. قال أبو سعيد عبد الرحمن بن يونس: جاء نفر من بحافق إلى عمرو بن العاص فقالوا: إنا نكون في الريف، أفنجمع في العيدين الفطر والأضحى ويؤمنّا رجل منا؟ قال: نعم. قالوا: فالجمعة؟ قال: لا، ولا يصلي الجمعة بالناس إلّا من أقام الحدود وآخذ بالذنوب وأعطى الحقوق.
وأوّل من زاد في هذا الجامع مسلمة بن مخلد الأنصاريّ سنة ثلاث وخمسين وهو يومئذ أمير مصر من قبل معاوية. قال الكنديّ في كتاب أخبار مسجد أهل الراية: ولما ضاق المسجد بأهله شكى ذلك إلى مسلمة بن مخلد، وهو الأمير يومئذ، فكتب فيه إلى معاوية بن أبي سفيان، فكتب إليه يأمره بالزيادة فيه، فزاد فيه من شرقيه مما يلي دار عمرو بن العاص، وزاد فيه من بحريه، ولم يحدث فيه حدثا من القبليّ ولا من الغربيّ، وذلك في سنة ثلاث وخمسين، وجعل له رحبة في البحريّ منه كان الناس يصيفون فيها، ولا طه بالنورة وزخرف جدرانه وسقوفه، ولم يكن المسجد الذي لعمر، وجعل فيه نورة ولا زخرف، وأمر بابتناء منار المسجد الذي في الفسطاط، وأمر أن يؤذنوا في وقت واحد، وأمر مؤذني الجامع أن يؤذنوا للفجر إذا مضى نصف الليل، فإذا فرغوا من أذانهم أذن كلّ مؤذن في الفسطاط في وقت واحد. قال ابن لهيعة فكان لأذانهم دويّ شديد، فقال عابد بن هشام الأزديّ: ثم السلامانيّ لمسلمة بن مخلد: