للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقد مدّت لمسلمة الليالي ... على رغم العداة من الأمان

وساعده الزمان بكلّ سعد ... وبلغه البعيد من الأماني

أمسلم فارتقي لا زلت تعلو ... على الأيام مسلم والزمان

لقد أحكمت مسجدنا فأضحى ... كأحسن ما يكون من المباني

فتاه به البلاد وساكنوها ... كما تاهت بزينتها الغواني

وكم لك من مناقب صالحات ... وأجدل بالصوامع للأذان

كأنّ تجاوب الأصوات فيها ... إذا ما الليل ألقى بالجران «١»

كصوت الرعد خالطه دويّ ... وأرعب كلّ مختطف الجنان

وقيل أنّ معاوية أمره ببناء الصوامع للأذان، قال: وجعل مسلمة للمسجد الجامع أربع صوامع في أركانه الأربع، وهو أوّل من جعلها فيه، ولم تكن قبل ذلك. قال: وهو أوّل من جعل فيه الحصر، وإنما كان قبل ذلك مفروضا بالحصباء، وأمر أن لا يضرب بناقوس عند الأذان يعني الفجر، وكان السلّم الذي يصعد منه المؤذنون في الطريق، حتى كان خالد بن سعيد، فحوّله داخل المسجد.

قال القاضي القضاعيّ: ثم إن عبد العزيز بن مروان هدمه في سنة تسع وسبعين من الهجرة، وهو يومئذ أمير مصر من قبل أخيه أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان، وزاد فيه من ناحية الغرب، وأدخل فيه الرحبة التي كانت في بحريه، ولم يجد في شرقيه موضعا يوسعه به. وذكر أبو عمر الكنديّ في كتاب الأمراء أنه زاد فيه من جوانبه كلها، ويقال أنّ عبد العزيز بن مروان لما أكمل بناء المسجد خرج من دار الذهب عند طلوع الفجر، فدخل المسجد فرأى في أهله خفة، فأمر بأخذ الأبواب على من فيه، ثم دعا بهم رجلا رجلا، فيقول للرجل: ألك زوجة؟ فيقول لا، فيقول زوّجوه، ألك خادم؟ فيقول لا، فيقول أخدموه. أحججت؟ فيقول: لا. فيقول أحجوه. أعليك دين؟ فيقول: نعم. فيقول إقضوا دينه. فأقام المسجد بعد ذلك دهرا عامرا ولم يزل إلى اليوم. وذكر أن عبد الله بن عبد الملك بن مروان في ولايته على مصر، من قبل أخيه الوليد، أمر برفع سقف المسجد الجامع، وكان مطاطأ، وذلك في سنة تسع وثمانين. ثم إن قرّة بن شريك العبسيّ هدمه مستهلّ سنة اثنتين وتسعين بأمر الوليد بن عبد الملك، وهو يومئذ أمير مصر من قبله، وابتدأ في بنيانه في شعبان من السنة المذكورة، وجعل على بنائه يحيى بن حنظلة، مولى بني عامر بن لؤيّ، وكانوا يجمعون الجمعة في قيسارية العسل حتى فرغ من بنائه، وذلك في شهر رمضان سنة ثلاث وتسعين، ونصب المنبر الجديد في سنة أربع وتسعين، ونزع المنبر الذي كان في المسجد، وذكر أنّ عمرو بن العاص كان جعله فيه، فلعله بعد وفاة عمر بن

<<  <  ج: ص:  >  >>