وذرعه كله بذراع العمل ثمانية وعشرون ألف ذراع، وعدد أبوابه ثلاثة عشر بابا، منها في القبليّ باب الزيز لخته الذي يدخل منه الخطيب، كان به شجرة زيزلخت عظيمة، قطعت في سنة ست وستين وسبعمائة، وفي البحري ثلاثة أبواب، وفي الشرقيّ خمسة، وفي الغربيّ أربعة، وعدد عمده ثلاثمائة وثمانية وسبعون عمودا، وعدد مآذنه خمس، وبه ثلاث زيادات، فالبحرية الشرقية كانت لجلوس قاضي القضاة بها في كل أسبوع يومين، وكان بهذا الجامع القصص.
قال القضاعيّ: روى نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لم يقص في زمن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولا أبي بكر ولا عمر ولا عثمان رضي الله عنهم، وإنما كان القصص في زمن معاوية رضي الله عنه. وذكر عمر بن شيبة قال: قيل للحسن متى أحدث القصص؟ قال: في خلافة عثمان بن عفان. قيل: من أوّل من قص؟ قال: تميم الداري.
وذكر عن ابن شهاب قال: أوّل من قص في مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تميم الداري، استأذن عمر أن يذكر الناس فأبى عليه حتى كان آخر ولايته، فاذن له أن يذكر في يوم الجمعة قبل أن يخرج عمر، فاستأذن تميم عثمان بن عفان رضي الله عنه في ذلك فأذن له أن يذكر يومين في الجمعة، فكان تميم يفعل ذلك.
وروى ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب أنّ عليا رضي الله عنه قنت، فدعا على قوم من أهل حربه، فبلغ ذلك معاوية، فأمر رجلا يقص بعد الصبح وبعد المغرب يدعو له ولأهل الشام، قال يزيد: وكان ذلك أول القصص.
وروي عن عبد الله بن مغفل قال: أمّنا عليّ رضي الله عنه في المغرب، فلما رفع رأسه من الركعة الثالثة ذكر معاوية أوّلا، وعمرو بن العاص ثانيا، وأبا الأعور، يعني السلميّ ثالثا، وكان أبو موسى الرابع.
وقال الليث بن سعد: هما قصصان، قصص العامّة، وقصص الخاصة، فأما قصص العامّة فهو الذي يجتمع إليه النفر من الناس يعظهم ويذكرهم، فذلك مكروه ولمن فعله ولمن استمعه، وأما قصص الخاصة فهو الذي جعله معاوية، ولّى رجلا على القصص، فإذا سلّم من صلاة الصبح جلس وذكر الله عز وجل وحمده ومجده وصلّى على النبي صلّى الله عليه وسلّم، ودعا للخليفة ولأهل ولايته ولحشمه وجنوده، ودعا على أهل حربه وعلى المشركين كافة.
ويقال أن أوّل من قص بمصر سليمان بن عتر التجيبي، في سنة ثمان وثلاثين، وجمع له القضاء إلى القصص، ثم عزل عن القضاء وأفرد بالقصص، وكانت ولايته على القصص والقضاء سبعا وثلاثين سنة، منها سنتان قبل القضاء. ويقال أنه كان يختم القرآن في كلّ ليلة ثلاث مرّات، وكان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، ويسجد في المفصل، ويسلّم