والمحراب الرابع: محاريب المساجد التي في قرى بلاد الساحل، فإنها تخالف محاريب الصحابة، إلّا أنّ محراب جامع منية غمر قريب من سمت محاريب الصحابة، فإن الوزير أبا عبد الله محمد بن فاتك المنعوت بالمأمون البطائحيّ، وزير الخليفة الآمر بأحكام الله أبي عليّ منصور بن المستعلي بالله، أنشأ جامعا بمنية زفتا في سنة ست عشرة وخمسمائة، فجعل محرابه على سمت المحاريب الصحيحة. وفي قرافة مصر بجوار مسجد الفتح عدّة مساجد تخالف محاريب الصحابة مخالفة فاحشة، وكذلك بمدينة مصر الفسطاط غير مسجد على هذا الحكم. فأما محاريب الصحابة التي بفسطاط مصر والإسكندرية، فإن سمتها يقابل مشرق الشتاء، وهو مطالع برج العقرب مع ميل قليل إلى ناحية الجنوب، ومحاريب مساجد القرى وما حول مسجد الفتح بالقرافة، فإنها تستقبل خط نصف النهار الذي يقال له خط الزوال، وتميل عنه إلى جهة المغرب، وهذا الاختلاف بين هذين المحرابين اختلاف فاحش يفضي إلى إبطال الصلاة. وقد قال ابن عبد الحكم: قبلة أهل مصر أن يكون القطب الشماليّ على الكتف الأيسر، وهذا سمت محاريب الصحابة. قال:
وإذا طلعت منازل العقرب وتكملت صورته، فمحاذاته سمت القبلة لديار مصر وبرقة وإفريقية وما والاها، وفي الفرقدين والقطب الشماليّ كفاية للمستدلين، فإنهم إن كانوا مستقبلين في مسيرهم من الجنوب جهة الشمال، استقبلوا القطب والفرقدين، وإن كانوا سائرين إلى الجنوب من الشمال استدبروها، وإن كانوا سائرين إلى الشرق من المغرب جعلوها على الأذن اليسرى، وإن كانوا سائرين من الشرق إلى المغرب جعلوها على الأذن اليمنى، وإن كان مسيرهم إلى النكباء «١» التي بين الجنوب والصبا جعلوها على الكتف الأيسر، وإن كان مسيرهم إلى النكباء التي بين الجنوب والدبور جعلوها على الكتف الأيمن، وإن كان مسيرهم إلى النكباء التي بين الشمال والدبور جعلوها على الحاجب الأيمن، وإن كان مسيرهم إلى النكباء التي بين الشمال والصبا جعلوها على الحاجب الأيسر. وإذا عرف ذلك فإنه يستحيل تصويب محرابين مختلفين في قطر واحد إذا زاد اختلافهما على مقدار ما يتسامح به في التيامن والتياسر، وبيان ذلك أن كلّ قطر من أقطار الأرض كبلاد الشام وديار مصر ونحوهما من الأقطار، قطعة من الأرض واقعة في مقابلة جزء من الكعبة، والكعبة تكون في جهة من جهات ذلك القطر، فإذا اختلف محرابان في قطر واحد، فإنا نتيقن أن أحدهما صواب والآخر خطأ، إلّا أن يكون القطر قريبا من مكّة، وخطته التي هو محدود بها متسعة اتساعا كثيرا يزيد على الجزء الذي يخصه لو وزعت الكعبة أجزاء متماثلة، فإنه حينئذ يجوز التيامن والتياسر في محاريبه، وذلك مثل بلاد البجة، فإنها على الساحل الغربيّ من بحر القلزم، ومكة واقعة في شرقيها ليس بينهما إلّا مسافة البحر