للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

باب مدرسة السلطان حسن بن محمد بن قلاون والتنور النحاس المكفت إلى هذه العمارة، وقد اشتراهما السلطان بخمسمائة دينار، وهذا الباب هو الذي عمل لهذا الجامع، وهذا التنور هو التنور المعلق تجاه المحراب، وكان الملك الظاهر برقوق قد سدّ باب مدرسة السلطان حسن وقطع البسطة التي كانت قدّامه كما تقدّم، فبقي مصراعا الباب والسدّ من ورائهما حتى نقلا مع التنور الذي كان معلقا هناك. وفي ثامن عشرية دفنت ابنة صغيرة للسلطان في موضع القبة الغربية من هذا الجامع، وهي ثاني ميت دفن بها، وانعقدت جملة ما صرف في هذه العمارة إلى سلخ ذي الحجة سنة تسع عشرة على أربعين ألف دينار، ثم نزل السلطان في عشري المحرّم إلى هذه العمارة ودخل خزانة الكتب التي عملت هناك، قد حمل إليها كتبا كثيرة في أنواع العلوم، كانت بقلعة الجبل، وقدّم له ناصر الدين محمد البارزيّ كاتب السرّ خمسمائة مجلد، قيمتها ألف دينار، فأقرّ ذلك بالخزانة وأنعم على ابن البارزيّ بأن يكون خطيبا وخازن المكتب هو ومن بعده من ذرّيته.

وفي سابع عشر شهر ربيع الآخر منها سقط عشرة من الفعلة، مات منهم أربعة وحمل ستة بأسوإ حال. وفي يوم الجمعة ثاني جمادى الأولى أقيمت الجمعة به، ولم يكمل منه سوى الإيوان القبليّ، وخطب وصلّى بالناس عز الدين عبد السلام المقدسيّ أحد نوّاب القضاة الشافعية نيابة عن ابن البارزيّ كاتب السرّ. وفي يوم السبت خامس شهر رمضان منها ابتدئ بهدم ملك بجوار ربع الملك الظاهر بيبرس، مما اشتراه الأمير فخر الدين عبد الغنيّ بن أبي الفرج الاستادار ليعمل ميضأة، واستمرّ العمل هناك ولازم الأمير فخر الدين الإقامة بنفسه، واستعمل مماليكه والزامه فيه وجدّ في العمل كلّ يوم، فكملت في سلخه بعد خمسة وعشرين يوما، ووقع الشروع في بناء حوانيت على بابها من جهة تحت الربع، ويعلوها طباق، وبلغت النفقة على الجامع إلى أخريات شهر رمضان هذا، سوى عمارة الأمير فخر الدين المذكور، زيادة على سبعين ألف دينار، وتردّد السلطان إلى النظر في هذا الجامع غير مرّة. فلما كان في أثناء شهر ربيع الآخر سنة إحدى وعشرين ظهر بالمئذنة التي أنشئت على بدنة باب زويلة التي تلي الجامع إعوجاج إلى جهة دار التفاح، فكتب محضر بجماعة المهندسين أنها مستحقة الهدم، وعرض على السلطان فرسم بهدمها، فوقع الشروع في الهدم يوم الثلاثاء رابع عشرية، واستمرّ في كل يوم، فسقط يوم الخميس سادس عشرية منها حجر هدم ملكا تجاه باب زويلة، هلك تحته رجل، فغلق باب زويلة خوفا على المارّة من يوم السبت إلى آخر يوم الجمعة سادس عشري جمادى الأولى، مدّة ثلاثين يوما، ولم يعهد وقوع مثل هذا قط منذ بنيت القاهرة. وقال أدباء العصر في سقوط المنارة المذكورة شعرا كثيرا، منه ما قاله حافظ الوقت شهاب الدين أحمد بن عليّ بن حجر الشافعيّ رحمه الله:

لجامع مولانا المؤيد رونق ... منارته تزهو من الحسن والزين

<<  <  ج: ص:  >  >>