للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أوّل من قدم بعلم مالك: إلى مصر عبد الرحيم بن خالد بن يزيد بن يحيى مولى جمح، وكان فقيها روى عنه الليث وابن وهب ورشيد بن سعد، وتوفي بالإسكندرية سنة ثلاث وستين ومائة، ثم نشره بمصر عبد الرحمن بن القاسم، فاشتهر مذهب مالك بمصر أكثر من مذهب أبي حنيفة لتوفر اصحاب مالك بمصر، ولم يكن مذهب أبي حنيفة رحمه الله يعرف بمصر. قال ابن يونس: وقدم إسماعيل بن اليسع الكوفيّ قاضيا بعد ابن لهيعة، وكان من خير قضاتنا، غير أنه كان يذهب إلى قول أبي حنيفة، ولم يكن أهل مصر يعرفون مذهب أبي حنيفة، وكان مذهبه إبطال الأحباس، فثقل أمره على أهل مصر وسئموه، ولم يزل مذهب مالك مشتهرا بمصر حتى قدم الشافعيّ محمد بن ادريس إلى مصر مع عبد الله بن العباس بن موسى بن عيسى بن موسى بن محمد بن عليّ بن عبد الله بن عباس في سنة ثمان وتسعين ومائة، فصحبه من أهل مصر جماعة من أعيانها كبني عبد الحكم والربيع بن سليمان وأبي إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزني، وأبي يعقوب يوسف بن يحيى البويطيّ، وكتبوا عن الشافعيّ ما ألفه، وعملوا بما ذهب إليه، ولم يزل أمر مذهبه يقوى بمصر وذكره ينتشر.

قال أبو عمرو الكنديّ في كتاب أمراء مصر: ولم يزل أهل مصر على الجهر بالبسملة في الجامع العتيق إلى سنة ثلاث وخمسين ومائتين. قال: ومنع أرجون صاحب شرطة مزاحم بن خاقان أمير مصر من الجهر بالبسملة في الصلوات بالمسجد الجامع، وأمر الحسين بن الربيع إمام المسجد الجامع بتركها، وذلك في رجب سنة ثلاث وستين ومائتين، ولم يزل أهل مصر على الجهر بها في المسجد الجامع منذ الإسلام إلى أن منع منها أرجون.

قال: وأمر أن تصلّى التراويح في شهر رمضان خمس تراويح، ولم يزل أهل مصر يصلون ست تراويح حتى جعلها أرجون خمسا في شهر رمضان سنة ثلاث وخمسين ومائتين، ومنع من التثويب، وأمر بالأذان يوم الجمعة في مؤخر المسجد، وأمر بالتغليس بصلاة الصبح، وذلك أنهم أسفروا بها، وما زال مذهب مالك ومذهب الشافعيّ رحمهما الله تعالى يعمل بهما أهل مصر، ويولى القضاء من كان يذهب إليهما أو إلى مذهب أبي حنيفة رحمه الله، إلى أن القائد جوهر من بلاد إفريقية في سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة بجيوش مولاه المعز لدين الله أبي تميم معدّ وبنى مدينة القاهرة.

فمن حينئذ فشا بديار مصر مذهب الشيعة وعمل به في القضاء والفتيا وأنكر ما خالفه، ولم يبق مذهب سواه، وقد كان التشيع بأرض مصر معروفا قبل ذلك. قال أبو عمرو الكنديّ في كتاب الموالي عن عبد الله بن لهيعة أنه قال: قال يزيد بن أبي حبيب: نشأت بمصر وهي علوية، فقلبتها عثمانية. وكان ابتداء التشيع في الإسلام أن رجلا من اليهود في خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه أسلم، فقيل له عبد الله بن سبأ، وعرف بابن

<<  <  ج: ص:  >  >>