للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السوداء، وصار ينتقل من الحجاز إلى أمصار المسلمين يريد إضلالهم، فلم يطق ذلك فرجع إلى كيد الإسلام وأهله، ونزل البصرة في سنة ثلاث وثلاثين فجعل يطرح على أهلها مسائل ولا يصرّح، فأقبل عليه جماعة ومالوا إليه وأعجبوا بقوله، فبلغ ذلك عبد الله بن عامر وهو يومئذ على البصرة، فأرسل إليه فلما حضر عنده سأله ما أنت فقال رجل من أهل الكتاب رغبت في الإسلام وفي جوارك. فقال ما شيء بلغني عنك، أخرج عني. فخرج حتى نزل الكوفة، فأخرج منها فسار إلى مصر واستقرّ بها وقال في الناس العجب ممن يصدّق أن عيسى يرجع ويكذب أن محمدا يرجع، وتحدّث في الرجعة حتى قبلت منه، فقال بعد ذلك:

أنه كان لكل نبيّ وصيّ، وعليّ بن أبي طالب وصيّ محمد صلّى الله عليه وسلّم، فمن أظلم ممن لم يجز وصية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في أن علي بن أبي طالب وصيه في الخلافة على أمّته، واعلموا أن عثمان أخذ الخلافة بغير حق، فانهضوا في هذا الأمر وابدؤوا بالطعن على أمرائكم، فأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تستميلوا به الناس، وبث دعاته وكاتب من مال إليه من أهل الأمصار وكاتبوه ودعوا في السرّ إلى ما عليه رأيهم، وصاروا يكتبون إلى الأمصار كتبا يضعونها في عيب ولاتهم، فيكتب أهل كل مصر منهم إلى أهل المصر الآخر بما يضعون حتى ملوا بذلك الأرض إذاعة، وجاء إلى أهل المدينة من جميع الأمصار، فأتوا عثمان رضي الله عنه في سنة خمسة وثلاثين وأعلموه ما أرسل به أهل الأمصار من شكوى عمالهم، فبعث محمد بن مسلمة إلى الكوفة، وأسامة بن زيد إلى البصرة، وعمار بن ياسر إلى مصر، وعبد الله بن عمر إلى الشام، لكشف سير العمال. فرجعوا إلى عثمان إلّا عمارا وقالوا: ما أنكرنا شيئا. وتأخر عمار فورد الخبر إلى المدينة بأنه قد استماله عبد الله ابن السوداء في جماعة، فأمر عثمان عماله أن يوافوه بالموسم، فقدموا عليه واستشاروه، فكلّ أشار برأي، ثم قدم المدينة بعد الموسم فكان بينه وبين عليّ بن أبي طالب كلام فيه بعض الجفاء بسبب إعطائه أقاربه ورفعه لهم على من سواهم، وكان المنحرفون عن عثمان قد تواعدوا يوما يخرجون فيه بأمصارهم إذ سار عنها الأمراء، فلم يتهيأ لهم الوثوب، وعند ما رجع الأمراء من الموسم تكاتب المخالفون في القدوم إلى المدينة لينظروا فيما يريدون، وكان أمير مصر من قبل عثمان رضي الله عنه، عبد الله بن سعد بن أبي سرح العامريّ، فلما خرج في شهر رجب من مصر في سنة خمس وثلاثين استخلف بعده عقبة بن عامر الجهنيّ في قول الليث بن سعد. وقال يزيد بن أبي حبيب: بل استخلف على مصر السائب بن هشام العامريّ وجعل على الخراج سليم بن عنز التجيبيّ، فانتزى محمد بن أبي حذيفة بن عتية بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف في شوّال من السنة المذكورة، وأخرج عقبة بن عامر من الفسطاط، ودعا إلى خلع عثمان رضي الله عنه، واسعر البلاد وحرّض على عثمان بكلّ شيء يقدر عليه، فكان يكتب الكتب على لسان أزواج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ويأخذ الرواحل فيضمرها ويجعل رجالا على ظهور البيوت ووجوههم إلى وجه الشمس لتلوح وجوههم

<<  <  ج: ص:  >  >>