جناحك وقرّب عليهم مكانك وارفع عنهم حجابك، وانظر هذا الحيّ من مدلج، فدعهم وما غلبوا عليه يكفوا عنك شأنهم، وأنزل الناس من بعد على قدر منازلهم، فإن استطعت أن تعود المرضى وتشهد الجنائز فافعل، فإنّ هذا لا ينقصك ولن تفعل، إنك والله ما علمت لتظهر الخيلاء وتحب الرياسة وتسارع إلى ما هو ساقط عنك، والله موفقك. فعمل محمد بخلاف ما أوصاه به قيس، فبعث إلى ابن خديج والخارجة معه يدعوهم إلى بيعته، فلم يجيبوه. فبعث إلى دور الخارجة فهدمها ونهب أموالهم وسجن ذراريهم فنصبوا له الحرب وهموا بالنهوض إليه. فلما علم أنه لا قوّة له بهم أمسك عنهم ثم صالحهم على أن يسيرهم إلى معاوية، وأن ينصب لهم جسر انتقيوس يجوزون عليه ولا يدخلون الفسطاط، ففعلوا ولحقوا بمعاوية.
فلما أجمع عليّ رضي الله عنه ومعاوية على الحكمين أغفل عليّ أن يشترط على معاوية أن لا يقاتل أهل مصر. فلما انصرف عليّ إلى العراق بعث معاوية رضي الله عنه عمرو بن العاص رضي الله عنه في جيوش أهل الشام إلى مصر، فاقتتلوا قتالا شديدا انهزم فيه أهل مصر، ودخل عمرو بأهل الشام الفسطاط، وتغيب محمد بن أبي بكر، فأقبل معاوية بن خديج في رهط ممن يعينه على من كان يمشي في قتل عثمان، وطلب ابن أبي بكر فدلتهم عليه امرأة. فقال: احفظوني في أبي بكر، فقال معاوية بن خديج: قتلت ثمانين رجلا من قومي في عثمان، وأتركك وأنت صاحبه؟ فقتله ثم جعله في جيفة حمار ميت، فأحرقه بالنار، فكانت ولاية محمد بن أبي بكر خمسة أشهر، ومقتله لأربع عشرة خلت من صفر سنة ثمان وثلاثين. ثم ولي عمرو بن العاص مصر من بعده، فاستقبل بولايته هذه الثانية شهر ربيع الأوّل، وجعل إليه الصلاة والخراج، وكانت مصر قد جعلها معاوية له طعمة بعد عطاء جندها والنفقة على مصلحتها، ثم خرج إلى الحكومة واستخلف على مصر ابنه عبد الله بن عمرو، وقتل خارجة بن حذافة ورجع عمرو إلى مصر فأقام بها، وتعاقد بنو ملجم عبد الرحمن وقيس ويزيد على قتل عليّ رضي الله عنه وعمرو ومعاوية رضي الله عنهما، وتواعدوا على ليلة من رمضان سنة أربعين، فمضى كل منهم إلى صاحبه، فلما قتل عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه واستقرّ الأمر لمعاوية كانت مصر جندها وأهل شوكتها عثمانية، وكثير من أهلها علوية. فلما مات معاوية ومات ابنه يزيد بن معاوية كان على مصر سعيد بن يزيد الأزديّ على صلاتها، فلم يزل أهل مصر على الشنان له، والإعراض عنه، والتكبر عليه، منذ ولاه يزيد بن معاوية حتى مات يزيد في سنة أربع وستين. ودعا عبد الله بن الزبير إلى نفسه، فقامت الخوارج بمصر في أمره، وأظهروا دعوته كانوا يحسبونه على مذهبهم، وأوفدوا منهم وفدا إليه، فسار منهم نحو الألفين من مصر وسألوه أن يبعث إليهم بأمير يقومون معه ويوازرونه، وكان كريب بن أبرهة الصباح وغيره من أشراف مصر يقولون: ماذا نرى من العجب أن هذه الطائفة المكتتمة تأمر فينا وتنهي ونحن لا نستطيع أن