نردّ أمرهم، ولحق بابن الزبير ناس كثير من أهل مصر، وكان أوّل من قدم مصر برأي الخوارج حجر بن الحارث بن قيس المذحجيّ، وقيل حجر بن عمرو، ويكنى بأبي الورد، وشهد مع عليّ صفين، ثم صار من الخوارج وحضر مع الحرورية النهروان، فخرج وصار إلى مصر برأي الخوارج وأقام بها حتى خرج منها إلى ابن الزبير في إمارة مسلمة بن مخلد الأنصاريّ على مصر. فلما مات يزيد بن معاوية وبويع ابن الزبير بعده بالخلافة، بعث إلى مصر بعبد الرحمن بن جحدم الفهريّ، فقدمها في طائفة من الخوارج فوثبوا على سعيد بن يزيد فاعتزلهم، واستمرّ ابن جحدم، وكثرت الخوارج بمصر منها وممن قدم من مكة، فأظهروا في مصر التحكيم ودعوا إليه، فاستعظم الجند ذلك وبايعه الناس على غلّ في قلوب ناس من شيعة بني أمية، منهم كريب بن أبرهة، ومقسم بن بجرة، وزياد بن حناطة التجيبيّ، وعابس بن سعيد وغيرهم، فصار أهل مصر حينئذ ثلاث طوائف، علوية وعثمانية وخوارج. فلما بويع مروان بن الحكم بالشام في ذي القعدة سنة أربع وستين كانت شيعته من أهل مصر مع ابن جحدم، فكاتبوه سرّا حتى أتى مصر في أشراف كثيرة، وبعث ابنه عبد العزيز بن مروان في جيش إلى إيلة ليدخل من هناك مصر، وأجمع ابن جحدم على حربه ومنعه، فحفر الخندق في شهر، وهو الخندق الذي بالقرافة، وبعث بمراكب في البحر ليخالف إلى عيالات أهل الشام، وقطع بعثا في البرّ وجهز جيشا آخر إلى إيلة لمنع عبد العزيز من المسير منها، فغرقت المراكب ونجا بعضها وانهزمت الجيوش ونزل مروان عين شمس، فخرج إليه ابن جحدم في أهل مصر، فتحاربوا واستجرّ القتل فقتل من الفريقين خلق كثير، ثم إن كريب بن أبرهة وعابس بن سعيد وزياد بن حناطة وعبد الرحمن بن موهب المغافريّ دخلوا في الصلح بين أهل مصر وبين مروان، فتم ودخل مروان إلى الفسطاط لغرّة جمادى الأولى سنة خمس وستين، فكانت ولاية ابن جحدم تسعة أشهر، ووضع العطاء فبايعه الناس إلّا نفرا من المغافر قالوا لا نخلع بيعة ابن الزبير، فقتل منهم ثمانين رجلا، قدّمهم رجلا رجلا فضرب أعناقهم وهم يقولون إنا قد بايعنا ابن الزبير طائعين، فلم نكن لننكث بيعته، وضرب عنق الأكدر بن حمام بن عامر سيد لخم وشيخها، وحضر هو وأبوه فتح مصر، وكانا ممن ثار إلى عثمان رضي الله عنه، فتنادى الجند قتل الأكدر، فلم يبق أحد حتى لبس سلاحه، فحضر باب مروان منهم زيادة على ثلاثين ألفا، وخشي مروان وأغلق بابه حتى أتاه كريب بن أبرهة وألقى عليه رداءه وقال للجند: انصرفوا أنا له جار، فما عطف أحد منهم وانصرفوا إلى منازلهم، وكان للنصف من جمادى الآخرة، ويومئذ مات عبد الله بن عمرو بن العاص، فلم يستطع أحد أن يخرج بجنازته إلى المقبرة لشغب الجند على مروان، ومن حينئذ غلبت العثمانية على مصر فتظاهروا فيها بسب عليّ رضي الله عنه، وانكفت السنة العلوية والخوارج.
فلما كانت ولاية قرّة بن شريك العبسيّ على مصر من قبل الوليد بن عبد الملك في