الصيارفة فشغبوا وصاحوا معاوية خال عليّ بن أبي طالب، فهمّ جوهر أن يحرق رحبة الصيارفة، لكن خشي على الجامع، وأمر الإمام بجامع مصر أن يجهر بالبسملة في الصلاة وكانوا لا يفعلون ذلك، وزيد في صلاة الجمعة القنوت في الركعة الثانية، وأمر في المواريث بالردّ على ذوي الأرحام، وأن لا يرث مع البنت أخ ولا أخت ولا عم ولا جدّ ولا ابن أخ ولا ابن عم، ولا يرث مع الولد الذكر أو الأنثى إلّا الزوج أو الزوجة والأبوان والجدّة، ولا يرث مع الأمّ إلّا من يرث مع الولد، وخاطب أبو الطاهر محمد بن أحمد قاضي مصر القائد جوهرا في بنت وأخ، وأنه كان حكم قديما للبنت بالنصف وللأخ بالباقي، فقال لا أفعل فلما ألح عليه قال: يا قاضي هذا عداوة لفاطمة عليها السلام، فأمسك أبو الطاهر ولم يراجعه بعد في ذلك، وصار صوم شهر رمضان والفطر على حساب لهم، فأشار الشهود على القاضي أبي الطاهر أن لا يطلب الهلال، لأنّ الصوم والفطر على الرؤية قد زال، فانقطع طلب الهلال من مصر وصام القاضي وغيره مع القائد جوهر كما يصوم، وأفطروا كما يفطر. ولما دخل المعز لدين الله إلى مصر ونزل بقصره من القاهرة المعزية، أمر في رمضان سنة اثنتين وستين وثلاثمائة فكتب على سائر الأماكن بمدينة مصر خير الناس بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام. وفي صفر سنة خمس وستين وثلاثمائة جلس عليّ بن النعمان القاضي بجامع القاهرة المعروف بالجامع الأزهر وأملى مختصر أبيه في الفقه عن أهل البيت، ويعرف هذا المختصر بالاقتصار، وكان جمعا عظيما وأثبت أسماء الحاضرين.
ولما تولى يعقوب بن كلس الوزارة للعزيز بالله نزار بن المعز رتب في داره العلماء من الأدباء والشعراء والفقهاء والمتكلمين، وأجرى لجميعهم الأرزاق، وألف كتابا في الفقه ونصب له مجلسا وهو يوم الثلاثاء يجتمع فيه الفقهاء وجماعة من المتكلمين وأهل الجدل، وتجري بينهم المناظرات، وكان يجلس أيضا في يوم الجمعة فيقرأ مصنفاته على الناس بنفسه، ويحضر عنده القضاة والفقهاء والقرّاء والنحاة وأصحاب الحديث ووجوه أهل العلم والشهود، فإذا انقضى المجلس من القراءة قام الشعراء لإنشاد مدائحهم فيه، وجعل للفقهاء في شهر رمضان الأطعمة، وألف كتابا في الفقه يتضمن ما سمعه من المعز لدين الله ومن ابنه العزيز بالله، وهو مبوّب على أبواب الفقه يكون قدره مثل نصف صحيح البخاريّ، ملكته ووقفت عليه، وهو يشتمل على فقه الطائفة الإسماعيلية، وكان يجلس لقراءة هذا الكتاب على الناس بنفسه وبين يديه خواص الناس وعوامّهم وسائر الفقهاء والقضاة والأدباء، وأفتى الناس به ودرّسوا فيه بالجامع العتيق، وأجرى العزيز بالله لجماعة من الفقهاء يحضرون مجلس الوزير ويلازمونه أرزاقا تكفيهم في كلّ شهر، وأمر لهم ببناء دار إلى جانب الجامع الأزهر، فإذا كان يوم الجمعة تحلقوا فيه بعد الصلاة إلى أن تصلّى صلاة العصر، وكان لهم من مال الوزير أيضا صلة في كلّ سنة، وعدّتهم خمسة وثلاثون رجلا، وخلع عليهم العزيز