للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حكمه إلى الله، أما أن يغفر له برحمته أو يشفع له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وإمّا أن يعذبه بعدله ثم يدخله الجنة برحمته ولا يخلد في النار مؤمن. قال ولا أقول أنه يجب على الله سبحانه قبول توبته بحكم العقل، لأنه هو الموجب، لا يجب عليه شيء أصلا، بل قد ورد السمع بقبول توبة التائبين، وإجابة دعوة المضطرّين، وهو المالك لخلقه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، فلو أدخل الخلائق بأجمعهم النار لم يكن جورا، ولو أدخلهم الجنة لم يكن حيفا، ولا يتصوّر منه ظلم، ولا ينسب إليه جور، لأنه المالك المطلق، والواجبات كلها سمعية فلا يوجب العقل شيئا البتة، ولا يقتضي تحسينا ولا تقبيحا، فمعرفة الله تعالى وشكر المنعم، وإثابة الطائع، وعقاب العاصي، كلّ ذلك بحسب السمع دون العقل، ولا يجب على الله شيء لا صلاح ولا أصلح ولا لطف بل الثواب والصلاح واللطف والنعم كلها تفضل من الله تعالى، ولا يرجع إليه تعالى نفع ولا ضرّ، فلا ينتفع بشكر شاكر، ولا يتضرّر بكفر كافر، بل يتعالى ويتقدّس عن ذلك، وبعث الرسل جائز لا واجب ولا مستحيل، فإذا بعث الله تعالى الرسول وأيده بالمعجزة الخارقة للعادة وتحدّى ودعا الناس، وجب الإصغاء إليه والاستماع منه والامتثال لأوامره والانتهاء عن نواهيه، وكرامات الأولياء حق، والإيمان بما جاء في القرآن والسنة من الأخبار عن الأمور الغائبة عنا مثل اللوح والقلم والعرش والكرسيّ والجنة والنار حق وصدق، وكذلك الأخبار عن الأمور التي ستقع في الآخرة، مثل سؤال القبر والثواب والعقاب فيه والحشر والمعاد والميزان والصراط وانقسام فريق في الجنة وفريق في السعير، كلّ ذلك حق وصدق يجب الإيمان والاعتراف به. والإمامة تثبت بالاتفاق والاختيار دون النص والتعيين على واحد معين، والأئمة مترتبون في الفضل ترتبهم في الإمامة. قال ولا أقول في عائشة وطلحة والزبير رضي الله عنهم إلّا أنّهم رجعوا عن الخطأ، وأقول أن طلحة والزبير من العشرة المبشرين بالجنة، وأقول في معاوية وعمرو بن العاص أنهما بغيا على الإمام الحق عليّ بن أبي طالب رضي الله عنهم، فقاتلهم مقاتلة أهل البغي، وأقول أن أهل النهروان الشراة هم المارقون عن الدين، وأن عليا رضي الله عنه كان على الحق في جميع أحواله، والحق معه حيث دار.

فهذه جملة من أصول عقيدته التي عليها الآن جماهير أهل الأمصار الإسلامية، والتي من جهر بخلافها أريق دمه، والأشاعرة يسمون الصفاتية لإثباتهم صفات الله تعالى القديمة، ثم افترقوا في الألفاظ الواردة في الكتاب والسنة، كالاستواء والنزول والإصبع واليد والقدم والصورة والجنب، والمجيء على فرقتين، فرقة تؤول جميع ذلك على وجوه محتملة اللفظ، وفرقة لم يتعرّضوا للتأويل ولا صاروا إلى التشبيه، ويقال لهؤلاء الأشعرية الأسرية، فصار للمسلمين في ذلك خمسة أقوال: أحدها اعتقاد ما يفهم مثله من اللغة، وثانيها السكوت عنها مطلقا، وثالثها السكوت عنها بعد نفي إرادة الظاهر، ورابعها حملها على المجاز، وخامسها حملها على الاشتراك، ولكلّ فريق أدلة وحجاج تضمنتهما كتب أصول

<<  <  ج: ص:  >  >>