للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأعز، وجماعة من الأعيان، ونزل بها الأكابر من الصوفية.

وأخبرني الشيخ أحمد بن عليّ القصار رحمه الله: أنه أدرك الناس في يوم الجمعة يأتون من مصر إلى القاهرة ليشاهدوا صوفية خانقاه سعيد السعداء عند ما يتوجهون منها إلى صلاة الجمعة بالجامع الحاكميّ، كي تحصل لهم البركة والخير بمشاهدتهم، وكان لهم في يوم الجمعة هيئة فاضلة، وذلك أنه يخرج شيخ الخانقاه منها وبين يديه خدّام الربعة الشريفة قد حملت على رأس أكبرهم، والصوفية مشاة بسكون وخفر إلى باب الجامع الحاكميّ الذي يلي المنبر، فيدخلون إلى مقصورة كانت هناك على يسرة الداخل من الباب المذكور تعرف بمقصورة البسملة، فإنه بها إلى اليوم بسملة قد كتبت بحروف كبار، فيصلي الشيخ تحية المسجد تحت سحابة منصوبة له دائما، وتصلي الجماعة، ثم يجلسون وتفرّق عليهم أجزاء الربعة فيقرؤون القرآن حتى يؤذن المؤذنون، فتؤخذ الأجزاء منهم ويشتغلون بالتركع واستماع الخطبة، وهم منصتون خاشعون، فإذا قضيت الصلاة والدعاء بعدها قام قاريء من قرّأ الخانقاه ورفع صوته بقراءة ما تيسر من القرآن، ودعا للسلطان صلاح الدين، ولواقف الجامع ولسائر المسلمين، فإذا فرغ قام الشيخ من مصلاه وسار من الجامع إلى الخانقاه والصوفية معه كما كان توجههم إلى الجامع، فيكون هذا من أجمل عوايد القاهرة، وما برح الأمر على ذلك إلى أن ولي الأمير يلبغا السالميّ نظر الخانقاه المذكورة في يوم الجمعة ثامن عشر جمادى الآخرة سنة سبع وتسعين وسبعمائة، فنزل إليها وأخرج كتاب الوقف، وأراد العمل بما فيه من شرط الواقف، فقطع من الصوفية المنزلين بها عشرات ممن له منصب ومن هو مشهور بالمال، وزاد الفقراء المجرّدين وهم المقيمون بها في كلّ يوم رغيفا من الخبز، فصار لكلّ مجرّد أربعة أرغفة بعد ما كانت ثلاثة، ورتب بالخانقاه وظيفتي ذكر بعد صلاة العشاء الآخرة وبعد صلاة الصبح، فكثر النكير على السالميّ ممن أخرجهم، وزاد الإشلاء.

فقال بعض أدباء العصر في ذلك:

يا أهل خانقة الصلاح أراكم ... ما بين شاك للزمان وشاتم

يكفيكم ما قد أكلتم باطلا ... من وقفها وخرجتم بالسّالم

وكان سبب ولاية السالميّ نظر الخانقاه المذكورة، أن العادة كانت قديما أنّ الشيخ هو الذي يتحدّث في نظرها، فلما كانت أيام الظاهر برقوق ولي مشيختها شخص يعرف بالشيخ محمد البلاليّ قدم من البلاد الشامية، وصار للأمير سودون الشيخونيّ نائب السلطنة بديار مصر فيه اعتقاد، فلما سعى له في المشيخة واستقرّ فيها بتعيينه، سأله أن يتحدّث في النظر إعانة له، فتحدّث، وكانت عدّة الصوفية بها نحو الثلاثمائة رجل، لكلّ منهم في اليوم ثلاثة أرغفة زنتها ثلاثة أرطال خبز، وقطعة لحم زنتها ثلث رطل في مرق، ويعمل لهم الحلوى في كلّ شهر، ويفرّق فيهم الصابون، ويعطي كلّ منهم في السنة عن ثمن كسوة قدر أربعين

<<  <  ج: ص:  >  >>