درهما، فنزّل الأمير سودون عندهم جماعة كثيرة عجز ريع الوقف عن القيام لهم بجميع ما ذكر، فقطعت الحلوى والصابون والكسوة، ثم إن ناحية دهمر وشرقّت في سنة تسع وتسعين لقصور ماء النيل، فوقع العزم على غلق مطبخ الخانقاه وإبطال الطعام، فلم تحتمل الصوفية ذلك وتكرّرت شكواهم للملك الظاهر برقوق، فولّى الأمير يلبغا السالميّ النظر، وأمره أن يعمل بشرط الواقف.
فلما نزل إلى الخانقاه وتحدّث فيها، اجتمع بشيخ الإسلام سراج الدين عمر بن رسلان البلقينيّ وأوقفه على كتاب الوقف، فأفتاه بالعمل بشرط الواقف، وهو أن الخانقاه تكون وقفا على الطائفة الصوفية الواردين من البلاد الشاسعة والقاطنين بالقاهرة ومصر، فإن لم يوجدوا كانت على الفقراء من الفقهاء الشافعية والمالكية الأشعرية الاعتقاد، ثم إنه جمع القضاة وشيخ الإسلام وسائر صوفية الخانقاه بها وقرأ عليهم كتاب الوقف، وسأل القضاة عن حكم الله فيه، فانتدب للكلام رجلان من الصوفية، هما زين الدين أبو بكر القمنيّ، وشهاب الدين أحمد العباديّ الحنفيّ، وارتفعت الأصوات وكثر اللغط، فأشار القضاة على السالميّ أن يعمل بشرط الواقف وانصرفوا، فقطع منهم نحو الستين رجلا، منهم المذكوران، فامتعض العباديّ وغضب من ذلك وشنّع بأنّ السالميّ قد كفر، وبسط لسانه بالقول فيه، وبدت منه سماجات فقبض عليه السالميّ وهو ماش بالقاهرة، فاجتمع عدّة من الأعيان وفرّقوا بينهما، فبلغ ذلك السلطان فأحضر القضاة والفقهاء وطلب العباديّ في يوم الخميس ثامن شهر رجب وادّعى عليه السالميّ، فاقتضى الحال تعزيره، فعزر وكشف رأسه وأخرج من القلعة ماشيا بين يدي القضاة ووالي القاهرة إلى باب زويلة، فسجن بحبس الديلم، ثم نقل منه إلى حبس الرحبة، فلما كان يوم السبت حادي عشرة، استدعي إلى دار قاضي القضاة جمال الدين محمود القيصريّ الحنفيّ، وضرب بحضرة الأمير علاء الدين عليّ بن الطبلاويّ والي القاهرة نحو الأربعين ضربة بالعصا تحت رجليه، ثم أعيد إلى الحبس، وأفرج عنه في ثامن عشرة بشفاعة شيخ الإسلام فيه، ولما جدّد الأمير يلبغا السالميّ الجامع الأقمر، وعمل له منبرا وأقيمت به الجمعة في شهر ربيع الأوّل سنة إحدى وثمانمائة، الزم الشيخ بالخانقاه والصوفية أن يصلوا الجمعة به، فصاروا يصلّون الجمعة فيه إلى أن زالت أيام السالميّ، فتركوا الاجتماع بالجامع الأقمر، ولم يعودوا إلى ما كانوا عليه من الاجتماع بالجامع الحاكميّ، ونسي ذلك. ولم يكن بهذه الخانقاه مئذنة، والذي بنى هذه المئذنة شيخ ولي مشيختها في سنة بضع وثمانين وسبعمائة، يعرف بشهاب الدين أحمد الأنصاريّ، وكان الناس يمرّون في صحن الخانقاه بنعالهم، فجدّد شخص من الصوفية بها يعرف بشهاب الدين أحمد العثمانيّ هذا الدرابزين وغرس فيه هذه الأشجار، وجعل عليها وقفا لمن يتعاهدها بالخدمة.