للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوليد بن عبد الملك، وكان يأتي الجمعة من ثمانية أميال، وكان إذا ركب نظر الناس إليه وعجبوا من عظم خلقه وقالوا: جدّه رسول الله. وكتب إليه الوليد بن عبد الملك يسأله أن يبايع لابنه عبد العزيز ويخلع سليمان بن عبد الملك، ففرق «١» منه وأجابه، فلما استخلف سليمان وجد كتاب زيد بذلك إلى الوليد، فكتب إلى أبي بكر بن حزم أمير المدينة: ادع زيد بن الحسن فأقره الكتاب، فإن عرفه فاكتب إليّ، وإن هو نكل فقدّمه فأصب يمينه عند منبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إنه ما كتبه ولا أمر به، فخاف زيدا لله واعترف. فكتب بذلك أبو بكر، فكتب سليمان أن يضربه مائة سوط وأن يدرعه عباءة ويمشيه حافيا، فحبس عمر بن عبد العزيز الرسول وقال: حتى أكلم أمير المؤمنين فيما كتب به في حق زيد. فقال للرسول: لا تخرج فإن أمير المؤمنين مريض. فمات سليمان وأحرق عمر الكتاب.

وأما والد نفيسة وهو الحسن بن زيد، فهو الذي كان والي المدينة النبوية من قبل أبي جعفر عبد الله بن محمد المنصور، وكان فاضلا أديبا عالما، وأمّه أمّ ولد. توفي أبوه وهو غلام، وترك عليه دينا أربعة آلاف دينار، فحلّف الحسن ولده أن لا يظل رأسه سقف إلّا سقف مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أو بيت رجل يكلمه في حاجة حتى يقضي دين أبيه، فوفاه وقضاه بعد ذلك. ومن كرمه أنه أتى بشاب شارب متأدّب، وهو عامل على المدينة فقال: يا ابن رسول الله لا أعود وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أقيلوا ذوي الهيآت عثراتهم» وأنا ابن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، وقد كان أبي مع أبيك، كما قد علمت. قال: صدقت، فهل أنت عائد؟ قال: لا والله. فأقاله وأمر له بخمسين دينارا وقال له: تزوّج بها وعد إليّ. فتاب الشاب وكان الحسن بن زيد يجري عليه النفقة.

وكانت نفيسة من الصلاح والزهد على الحدّ الذي لا مزيد عليه، فيقال أنها حجت ثلاثين حجة، وكانت كثيرة البكاء، تديم قيام الليل وصيام النهار، فقيل لها: ألا ترفقين بنفسك؟ فقالت: كيف أرفق بنفسي وأمامي عقبة لا يقطعها إلّا الفائزون. وكانت تحفظ القرآن وتفسيره، وكانت لا تأكل إلا في كلّ ثلاث ليال أكلة واحدة، ولا تأكل من غير زوجها شيئا، وقد ذكر أنّ الإمام الشافعيّ محمد بن إدريس كان زارها وهي من وراء الحجاب وقال لها: ادعي لي، وكان صحبته عبد الله بن عبد الحكم. وماتت رضي الله عنها بعد موت الإمام الشافعيّ رحمة الله عليه بأربع سنين، لأنّ الشافعيّ توفي سلخ شهر رجب سنة أربع ومائتين.

وقيل أنها كانت فيمن صلّى على الإمام الشافعيّ. وتوفيت السيدة نفيسة في شهر رمضان سنة ثمان ومائتين، ودفنت في منزلها، وهو الموضع الذي به قبرها الآن، ويعرف بخط درب السباع، ودرب بزرب. وأراد إسحاق بن الصادق وهو زوجها أن يحملها ليدفنها بالمدينة، فسأله أهل مصر أن يتركها ويدفنها عندهم لأجل البركة، وقبر السيدة نفيسة أحد المواضع

<<  <  ج: ص:  >  >>