ومقرّر المشاعلية وهو عبارة عما يؤخذ عن كسح الأفنية وحمل ما يخرج منها من الوسخ إلى الكيمان، فكان إذا امتلأ سراب جامع أو مدرسة أو مسمط أو تربة أو منزل من منازل سائر الناس لا يمكنه ولو بلغ من العظمة ما عسى أن يبلغ التعرّض لذلك حتى يأتيه ضامن الجهة، ويقاوله على كسح ذلك بما يريد وكان من عادة الضامن الإشطاط في السوم، وطلب أضعاف القيمة فإن لم يرض رب المنزل بما طلب الضامن وإلا تركه وانصرف فلا يقدر على مقاساة ترك الوسخ ويضطرّ إلى سؤاله ثانيا، فيعظم تحكمه ويشتدّ بأسه إلى أن يرضيه بما يختار حتى يتمكن من كسح فنائه ورفع ما هنالك من الأقذار.
ومن ذلك إبطال المباشرين من النواحي: وكانت بلاد مصر كلها من الوجهين القبليّ والبحري ما من بلد صغير وكبير إلا وفيه عدّة من كتاب وشادّ ونحو ذلك، فأبطل السلطان المباشرين وتقدّم منعهم من مباشرة النواحي إلا من بلد فيها مال السلطان فقط، فأراح الله سبحانه الخلق بإبطال هذه الجهات من بلاء لا يقدر قدره ولا يمكن وصفه.
ولما أبطل السلطان، هذه الجهات، وفرغ من تعيين الإقطاعات للأمراء والأجناد أفرز لخاص السلطان من بلاد أرض مصر عدّة نواح، مما كان في إقطاعات البرجية وهي الجيزة وأعمالها وهو والكوم الأحمر، ومنفلوط والمرج والخصوص، وغير ذلك مما بلغ عشرة قراريط من الإقليم، وصار لإقطاعات الأمراء والأجناد، وغيرهم أربعة عشر قيراطا، ومكر الأقباط فيما أمكنهم المكر فيه، فبدأوا بأن أضعفوا عسكر مصر، ففرّقوا الإقطاع الواحد في عدّة جهات، فصار بعض الجبي في الصعيد وبعضه في الشرقية، وبعضه في الغربية إتعابا للجنديّ، وتكثيرا للكلفة، وأفردوا جوالي «١» الذمّة من الخاص، وفرّقوها في البلاد التي أقطعت للأمراء والأجناد.
فإن النصارى كانوا مجتمعين في ديوان واحد كما ستقف عليه إن شاء الله تعالى، فصار نصارى كل بلد يدفعون جاليتهم إلى مقطع تلك الضيعة، فاتسع مجال النصارى، وصاروا يتنقلون في القرى، ولا يدفعون من جزيتهم إلا ما يريدون، فقلّ متحصل هذه الجهة بعد كثرته، وأفردوا ما بقي من جهات المكوس «٢» برسم الحوائج خاناه التي تصرف للسماط ليتناولوا ذلك ويوردوا منه ما شاءوا، ثم يتولوا صرف ما يحصل منه في جهات تستهلك بالأكل، وصارت جهات المكوس مما يتحدّث فيه الوزير، وشاد الدواوين.
ثم نظر السلطان فيما كان بيد الأميرين بيبرس الجاشنكير، وسلار نائب السلطنة من البلاد، فأخذ ما كان باسم كل منهما وباسم حواشيه، ولم يدع من ذلك شيئا مما كانوا قد