للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقفوه حتى حله، وجعل الجميع إقطاعات، واعتدّ في سائر الإقطاعات بما كان يستهديه المقطع من فلاحه، فحسب ذلك وأقامه من جملة عبر الإقطاع وأبطل الهدية، فلم يتهيأ له الفراغ من ذلك إلى آخر السنة، فلما أهلّ المحرّم من سنة ست عشرة وسبعمائة، وقد نظمت الحسبانات على ثلث مغلّ سنة خمس عشرة. جلس السلطان في الإيوان الذي استجدّه بقطعة الجبل، وقد تقدّم لسائر نقباء الأجناد على لسان نقيب الجيش بالحضور بأجنادهم، وجعل للعرض في كل يوم أميرين من الأمراء المقدّمين بمضافيهما، فكان الأمير مقدّم الألف يقف، ومعه مضافوه، وناظر الجيش يستدعيهم من تقدمة ذلك الأمير بأسمائهم على قدر منازلهم، فيقدّم نقيب الجيش، الواحد بعد الواحد من يد نقيبه إلى ما بين يدي السلطان، فإذا مثل بحضرته سأله السلطان بنفسه من غير واسطة عن اسمه، وأصله وجنسه، ووقت حضوره إلى ديار مصر، ومع من قدم، وإلى من صار من الأمراء وغيرهم، وعن مشاهده التي حضرها في الغزو، وعما يعرفه من صناعة الحرب وغير ذلك من الاستقصاء، فإذا انتهى استفهامه إياه ناوله بيده مثالا من غير تأمّل بحسب ما قسم الله له، فلم يمرّ به في مدّة العرض أحد إلا وقد عرفه وأشار إلى الأمراء بذكر شيء من خبره.

هذا وقد تقدّم إلى سائر الأمراء بأسرهم بأن يحضروا إلى الإيوان عند العرض، ولا يعارض أحد منهم السلطان في شيء يفعله، فكانوا يحضرون وهم سكوت لا يتكلم أحد منهم خوفا من مخالفة السلطان لما يقوله، وأخذ السلطان في مواربة الأمراء فما أثنوا على أحد في مجلس العرض إلا وأعطاه السلطان مثالا بإقطاع رديء، فلما عملوا ذلك أمسكوا عن الكلام معه جملة، وانفرد بالاستبداد بأموره دونهم، فما عرف منه أنه قدّم إليه أحد إلا وسأله: إن كان مملوكا عمن أقدمه من التجار، وسائر ما تقدّم، وإن كان شيخا فعن أصله وسنه وكم مصاف حضرها؟ حتى أتى على الجميع وأفرد المشايخ العاجزين فلم يعطهم إقطاعات، وجعل لكل منهم مرتبا يقوم به، فانتهى العرض في طول المحرّم، وتوفر كثير من مثالات الأجناد فبلغ عدّة مائتي مثال، ثم أخذ في عرض أطباق المماليك السلطانية، ووفر من جوامكهم كثيرا، وقطع عدّة رواتب من رواتبهم، وعوّضهم عن ذلك إقطاعات، وجعل جهة مكس قطيا لضعفاء الأجناد ممن قطع خبزه فجعل لك منهم في السنة ثلاثة آلاف درهم.

وكان لبيبرس، وسلار الجوكندار، تعلقات كثيرة في بيت المال وفي الأعمال كالجيزة والإسكندرية من متجر، وحمايات فارتجع ذلك وأبطله وما شابهه، وأضاف ما لم يقطعه إلى ديوان الخاص، ومما أمر به في مدّة العرض أن لا يردّ أحد مثالا أخذه من السلطان ولو استقله، ولا يشفع أمير في جنديّ، وإنّ من خالف ذلك ضرب وحبس ونفي وقطع خبزه، فعظمت مهابة السلطان وقويت حرمته، ولم يجسر أحد أن يردّ عليه مثالا أخذ من السلطان، ولا استطاع أمير أن يتكلم لأحد، وصار كثير ممن كان إقطاعه مثلا ألف دينار إلى إقطاع مائتي دينار، ونحوها وكثير ممن كان إقطاعه قليلا إلى إقطاع معتبر، فإنه كان يعطي المثال

<<  <  ج: ص:  >  >>