للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منهما الآخر، وتفرّق المصريون وأخذوا في دفن قتلاهم والبكاء عليهم، فسمع مروان البكاء فقال: ما هذه النوادب؟ فقيل: على القتلى. قال: لا أسمع نائحة تنوح إلّا أحللت بمن هي في داره العقوبة. فسكتن عند ذلك ودفن أهل مصر قتلاهم فيما بين الخندق والمقطم، وهي المقابر التي يسميها المصريون مقابر الشهداء، ودفن أهل الشام قتلاهم فيما بين الخندق ومنية الأصبغ، وكان قتلى أهل مصر ما بين الستمائة إلى السبعمائة، وقتلى أهل الشام نحو الثلاثمائة، ولما برز مروان من الفسطاط سائرا إلى الشام، سمع وجبة النساء يندبن قتلاهنّ، قال: ويحهن ما هذا؟ قالوا: النساء على مقابرهنّ يندبن قتلاهنّ، فعرّج عليهنّ، فأمر بالانصراف. قالوا: كذا هنّ كلّ يوم. قال: فامنعوهنّ إلّا من سبب، وخرج مروان من مصر إلى الشام لهلال رجب سنة خمس وستين، وكان مقامه بالفسطاط شهرين، واستخلف ابنه عبد العزيز على مصر، وضم إليه بشر بن مروان، وكان حدثا، ثم ولي عبد الملك بشرا بعد ذلك البصرة، قال: ثم دثر هذا الخندق إلى أيام خلع الأمين بمصر وبيعة المأمون، وولى البلد عباد بن محمد بن حبان مولى كندة من قبل المأمون، فكتب الأمين بمصر إلى أهل الحوفين في القيام ببيعته وقتال: عباد وأهل مصر. فتجمع أهل الحوف لذلك واستعدّوا، وبلغ أهل مصر فأشاروا على عباد بحفر الخندق، فحفروا خندقا من النيل إلى الجبل واحتفروا هذا الخندق العتيق، فكان القتال عليه أياما متفرّقة إلى أن قتل الأمين وتمت بيعة المأمون، ثم لم يحفر بعد ذلك إلى يومنا هذا.

وذكر ابن زولاق أن القائد جوهرا لما اختط القاهرة وكثر الإرجاف بمسير القرامطة إلى مصر، حفر خندق السريّ بن الحكم بباب مدينة مصر، وعمل عليه بابا في ذي القعدة سنة ستين وثلاثمائة، وحفر خندقا في وسط مقبرة مصر، وهو الخندق الذي حفره ابن جحدم، ابتدأ حفره من بركة الحبش حتى وصله بخندق عبد الرحمن بن جحدم، حتى بلغ به قبر محمد بن إدريس الشافعيّ، ثم حفر من الجبل إلى أن وصل الخندق ابن جحدم وسط المقابر، وبدأ به يوم السبت التاسع من شوّال سنة إحدى وستين وثلاثمائة، وفرغ منه في مدّة يسيرة.

القباب السبع: هذه القباب بآخر القرافة الكبرى مما يلي مدينة مصر. قال ابن سعيد في كتاب المغرب: والقباب السبع المشهورة بظاهر الفسطاط، هي مشاهد على سبعة من بني المغربيّ قتلهم الخليفة الحاكم بعد فرار الوزير أبي القاسم الحسين بن عليّ بن المغربيّ إلى أبي الفتوح حسن بن جعفر بمكة، وفي ذلك يقول أبو القاسم بن المغربيّ:

إذا شئت أن ترنو إلى الطّف باكيا ... فدونك فانظر، نحو أرض المقطّم

تجد من رجال المغربيّ عصابة ... مضمّخة الأجسام من حلل الدّم

فكم تركوا محراب آي معطّل ... وكم تركوا من سورة لم تختم

<<  <  ج: ص:  >  >>