ولو أظهروا الإسلام، وأن لا يكره أحد منهم على إظهار الإسلام، ويكتب بذلك إلى الأعمال. فتسلطت العامّة عليهم وتتبعوا آثارهم وأخذوهم في الطرقات، وقطعوا ما عليهم من الثياب، وأوجعوهم ضربا، ولم يتركوهم حتى يسلموا، وصاروا يضرمون لهم النار ليلقوهم فيها، فاختفوا في بيوتهم ولم يتجاسروا على المشي بين الناس، فنودي بالمنع من التعرّض لأذاهم، فأخذت العامّة في تتبع عوراتهم وما علوه من دورهم على بناء المسلمين فهدموه، واشتدّ الأمر على النصارى باختفائهم، حتى أنهم فقدوا من الطرقات مدّة، فلم ير منهم ولا من اليهود أحد، فرفع المسلمون قصة قرئت في دار العدل في يوم الاثنين رابع عشر شهر رجب، تتضمن أن النصارى قد استجدّوا عمارات في كنائسهم ووسعوها، هذا وقد اجتمع بالقلعة عالم عظيم واستغاثوا بالسلطان من النصارى، فرسم بركوب والي القاهرة وكشفه على ذلك، فلم تتمهل العامّة ومرّت بسرعة فخرّبت كنيسة بجوار قناطر السباع، وكنيسة بطريق مصر للأسرى، وكنيسة الفهادين بالجوّانية من القاهرة، ودير نهيا من الجيزة، وكنيسة بناحية بولاق التكروريّ، ونهبوا حواصل ما خرّبوه من ذلك، وكانت كثيرة، وأخذوا أخشابها ورخامها وهجموا كنائس مصر والقاهرة، ولم يبق إلّا أن يخرّبوا كنيسة البندقانيين بالقاهرة، فركب الوالي ومنعهم منها، واشتدّت العامة وعجز الحكام عن كفهم، وكان قد كتب إلى جميع أعمال مصر وبلاد الشام أن لا يستخدم يهوديّ ولا نصرانيّ ولو أسلم، وأنه من أسلم منهم لا يمكن من العبور إلى بيته ولا من معاشرة أهله إلّا أن يسلموا وأن يلزم من أسلم منهم بملازمة المساجد والجوامع لشهود الصلوات الخمس والجمع، وأنّ من مات من أهل الذمة يتولى المسلمون قسمة تركته على ورثته إن كان له وارث، وإلّا فهي لبيت المال، وكان يلي ذلك البطرك، وكتب بذلك مرسوم قريء على الأمراء، ثم نزل به الحاجب فقرأه في يوم الجمعة سادس عشري جمادى الآخرة بجوامع القاهرة ومصر، فكان يوما مشهودا.
ثم أحضر في أخريات شهر رجب من كنيسة شبرا بعدما هدمت، إصبع الشهيد الذي كان يلقى في النيل حتى يزيد، بزعمهم، وهو في صندوق، فأحرق بين يدي السلطان بالميدان من قلعة الجبل وذرى رماده في البحر خشية من أخذ النصارى له، فقدمت الأخبار بكثرة دخول النصارى من أهل الصعيد والوجه البحريّ في الإسلام. وتعلمهم القرآن، وإن أكثر كنائس الصعيد هدمت وبنيت مساجد، وأنه أسلم بمدينة قليوب في يوم واحد أربعمائة وخمسون نصرانيا، وكذلك بعامة الأرياف، مكرا منهم وخديعة حتى يستخدموا في المباشرات، وينكحوا المسلمات، فتم لهم مرادهم واختلطت بذلك الأنساب حتى صار أكثر الناس من أولادهم، ولا يخفى أمرهم على من نوّر الله قلبه، فإنه يظهر من آثارهم القبيحة إذا تمكنوا من الإسلام وأهل ما يعرف به الفطن سوء أصلهم، وقديم معاداة أسلافهم للدين وحملته.
النصارى فرق كثيرة، الملكانية، والنسطورية، واليعقوبية، والبرذعانية، والمرقولية،