للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ناسوته لا من جهة لاهوته، وأن مريم حملت بالمسيح وولدته من جهة ناسوته، وهذا قول النسطورية، ثم يقولون أن المسيح بكماله إله معبود، وأنه ابن الله، تعالى الله عن قولهم، وزعم قوم أنّ الاتحاد وقع بين جوهرين لاهوتيّ وناسوتيّ، فالجوهر اللاهوتيّ بسيط غير منقسم ولا متجزئ، وزعم قوم أن الاتحاد على جهة حلول الابن في الجسد ومخالطته إياه، ومنهم من زعم أن الاتحاد على جهة الظهور، كظهور كتابة الخاتم والنقش إذا وقع على طين أو شمع، وكظهور صورة الإنسان في المرآة، إلى غير ذلك من الاختلاف الذي لا يوجد مثله في غيرهم، حتى لا تكاد تجد اثنين منهم على قول واحد.

والملكانية تنسب إلى ملك الروم، وهم يقولون أنّ الله اسم لثلاثة معان، فهو واحد ثلاثة وثلاثة واحد. واليعقوبية تقول أنه واحد قديم، وأنه كان لا جسم ولا إنسان، ثم تجسم وتأنس. والمرقولية قالوا الله واحد وعلمه غيره قديم معه، والمسيح ابنه على جهة الرحمة، كما يقال إبراهيم خليل الله، والمرقولية تزعم أن المسيح يطوف عليهم كل يوم وليلة، والبوزغانية تزعم أن المسيح هو الذي يحشر الموتى من قبورهم ويحاسبهم.

وعندهم لا بدّ من تنصير أولادهم، وذلك أنهم يغمسون المولود في ماء قد أغلي بالرياحين وألوان الطيب في إجانة جديدة، ويقرءون عليه من كتابهم، فيزعمون أنه حينئذ ينزل عليه روح القدس، ويسمون هذا الفعل المعمودية، وطهارتهم إنما هي غسل الوجه واليدين فقط، ولا يختتن منهم إلّا اليعقوبية، ولهم سبع صلوات يستقبلون فيها المشرق، ويحجون إلى بيت المقدس، وزكاتهم العشر من أموالهم، وصيامهم خمسون يوما، فالثاني والأربعون منه عيد الشعانين، وهو اليوم الذي نزل فيه المسيح من الجبل ودخل بيت المقدس، وبعده بأربعة أيام عيد الفصح، وهو اليوم الذي خرج فيه موسى وقومه من مصر، وبعده بثلاثة أيام عيد القيامة، وهو اليوم الذي خرج فيه المسيح من القبر بزعمهم، وبعده بثمانية أيام عيد الجديد، وهو اليوم الذي ظهر فيه المسيح لتلامذته بعد خروجه من القبر، وبعده بثمانية وثلاثين يوما عيد السلاق، وهو اليوم الذي صعد فيه المسيح إلى السماء. ولهم عيد الصليب، وهو اليوم الذي وجدوا فيه خشية الصليب، وزعموا أنها وضعت على ميت فعاش، ولهم أيضا عيد الميلاد وعيد الذبح، ولهم قرابين وكهنة، فالشماس فوقه القس، وفوق القس الأسقف، وفوق الأسقف المطران، وفوق المطران البطريق، والسكر عندهم حرام، ولا يحلّ لهم أكل اللحم ولا الجماع في الصوم، وكل ما يباع في السوق ولم تعفه أنفسهم يباح أكله، ولا يصحّ النكاح إلّا بحضور شماس وقس وعدول ومهر، ويحرّمون من النساء ما يحرّمه المسلمون، ولا يحلّ الجمع بين امرأتين، ولا التسرّي بالإماء إلّا أن يعتقن ويتزوّج بهنّ، وإذا خدم العبد سبع سنين عتق، ولا يحل طلاق المرأة إلّا أن تأتي بفاحشة مبينة فتطلق، ولا تحل للزوج أبدا، وحدّ المحصن إذا زنى الرجم، فإن زنى غير محصن وحملت منه المرأة تزوّج بها، ومن قتل عمدا قتل، ومن قتل خطأ يهرّب ولا يحل طلبه،

<<  <  ج: ص:  >  >>