وأمر بإراقة الخمور، وإبطال المنكرات، وتعفية بيوت المسكرات، ومنع الخانات والخواطىء بجميع أقطار مملكة مصر والشام، فطهرت من ذلك البقاع، ولما وردت المراسيم بذلك على القاضي ناصر الدين أحمد بن المنير قال:
ليس لإبليس عندنا أرب ... غير بلاد الأمير مأواه
حرفته الخمر والحشيش معا ... حرّمتا ماؤه ومرعاه
وقال الأديب الفاضل أبو الحسين الجزار:
قد عطل الكوب من حبابه ... وأخلى الثغر من رضابه
وأصبح الشيخ وهو يبكي ... على الذي فات من شبابه
وفي تاسع جمادى الآخرة سنة ست وستين وستمائة، أمر الملك الظاهر بيبرس بإراقة الخمور وإبطال الفساد، ومنع النساء الخواطىء من التعرّض للبغاء من جميع القاهرة ومصر، وسائر الأعمال المصرية، فتطهرت أرض مصر من هذا المنكر، ونهبت الخانات التي كانت معدّة لذلك، وسلب أهلها جميع ما كان لها، ونفى بعضهم، وحبست النساء حتى يتزوّجن.
وكتب إلى جميع البلاد بمثل ذلك، وحط المال المقرّر على البغايا من الديوان، وعوّض الحاشية من جهات حلّ بنظيره، وفي سابع عشر ذي الحجة سنة تسع وستين وستمائة، أريقت الخمور، وأبطل ضمانها، وكان كل يوم ألف دينار، وكتب توقيع بذلك قرىء على المنابر، وافتتح سنة سبعين بإراقة الخمور، والتشدّد في إزالة المنكرات، وكان يوما مشهودا بالقاهرة، وبلغه في سنة أربع وسبعين عن الطواشي شجاع الدين عنبر المعروف: بصدر الباز، وكان قد تمكن منه تمكنا كثيرا أنه يشرب الخمر، فشنقه تحت قلعة الجبل.
ولما ولي الملك المنصور سيف الدين قلاون الإلفي، مملكة مصر أبطل زكاة الدولة، وهو ما كان يؤخذ من الرجل عن زكاة ماله أبدا، ولو عدم منه، وإذا مات يؤخذ من ورثته، وأبطل ما كان يجبى من أهل إقليم مصر كله إذا حضر مبشر بفتح حصن، أو نحوه، فيؤخذ من الناس بالقاهرة ومصر على قدر طبقاتهم، ويجتمع من ذلك مال كثير، وأبطل ما كان يجبى من أهل الذمة، وهو دينار سوى الجالية برسم نفقة الأجناد في كل سنة، وأبطل مقرّر جباية الدينار من التجار عند سفر العسكر والغزاة، وكان يؤخذ من جميع تجار القاهرة ومصر من كل تاجر دينار، وأبطل ما كان يجبى عند وفاء النيل مما يعمل به شوى وحلوى وفاكهة في المقياس، وجعل مصر ذلك من بيت المال، وأبطل أشياء كثيرة من هذا النمط.
وأبطل الملك الناصر، محمد بن قلاون عدّة جهات قد ذكرت في الروك الناصريّ،