وآخر ما أدركنا إبطاله ضمان الأغاني، وضمان القراريط في سنة ثمان وسبعين وسبعمائة، على يد الملك الأشرف شعبان بن حسين بن محمد بن قلاون.
فأما ضمان الأغاني فكان بلاء عظيما، وهو عبارة عن أخذ مال من النساء البغايا، فلو خرجت أجلّ امرأة في مصر تريد البغاء حتى نزلت اسمها عند الضامنة، وقامت بما يلزمها لما قدر أكبر أهل مصر على منعها من عمل الفاحشة، وكان على النساء، إذا تنفسن أو عرّسن امرأة أو خضبت امرأة يدها بحناء، أو أراد أحد أن يعمل فرحا لا بدّ من مال بتقرير تأخذه الضامنة، ومن فعل فرحا بأغان أو نفس امرأته من غير إذن الضامنة حلّ به بلاء لا يوصف.
وأما ضمان القراريط، فإنه كان يؤخذ من كل من باع ملكا عن كل ألف درهم، عشرون درهما، وكان متحصل هاتين الجهتين مالا كثيرا جدّا.
وأبطل الملك الظاهر برقوق، ما كان يؤخذ من أهل البرلس وشورى وبلطيم شبه الجالية في كل سنة ستين ألف درهم، وأبطل ما كان على القمح من مكس، يؤخذ من الفقراء بثغر دمياط ممن يبتاع من أردبين، فما دونهما، وأبطل ما كان يؤخذ مكسا من معمل الفرّوج بالنحريرية، والأعمال الغربية، وأبطل ما كان يؤخذ تقدمة لمن يسرح إلى العباسة من الخيل والجمال والغنم وغير ذلك، وأبطل ما كان يؤخذ على الدريس والحلفاء بباب النصر خارج القاهرة، وأبطل ضمان الأغاني بمنية ابن خصيب بأعمال الأشمونين، وبزفتا بالأعمال الغربية، وأبطل الأبقار التي كانت ترمي بالوجه البحري عند فراغ الجسور، وأبطل الأمير بلبغا السالمي، لما ولي استادار السلطان الملك الناصر فرج بن برقوق في سنة إحدى وثمانمائة تعريف الغلال بمنية ابن خصيب، وضمان العرصة بها وأخصاص الغسالين، وكانت من المظالم القبيحة، وأبطل من القاهرة ضمان بحيرة البقر، ثم أعاده القبط من بعده.
وقد بقيت إلى الآن من المكوس بقايا، أخبرني الأمير الوزير المشير الإستادار بلبغا السالمي في أيام وزارته، أن جهات المكوس بديار مصر تبلغ في كل يوم، بضعا وسبعين ألف درهم، وأنه اعتبرها فلم يجدها تصرف في شيء من مصالح الدولة، بل إنما هي منافع للقبط وحواشيهم، وكان قد عزم على إبطال المكوس فلم يمهل.
والمال الهلالي: عبارة عما يستأدي مشاهرة كأجر الأملاك المسقفة من الآدر والحوانيت والحمامات والأفران والطواحين، وعداد الغنم والجهة الهوائية المضمونة والمحلولة، وعدّ بعض الكتاب، أحكار البيوت وريع البساتين التي تستخرج أجرها مشاهرة ومصايد السمك ومعاصر الشيرج والزيت في المال الهلالي.