ومن اصطلاح كتاب مصر القدماء، أن تورد جزية أهل الذمة من اليهود والنصارى، قلما واحدا مستقلا بذاته بعد الهلالي، وقبل الخراجي، وذلك أنها تستأدي مسانهة، وكانوا يرون وجوبها مشاهرة وفائدته فيمن أسلم أو مات أثناء الحول، فإنهم كانوا يلزمونه بقدر ما مضى من السنة قبل إسلامه، أو وفاته فلذلك أوردت فيما بين الهلاليّ والخراجيّ.
وكانوا في الإقطاعات الجيشية يجرونها، مجرى المال الهلاليّ عند خروج إقطاع من يقطع، ودخول آخر على ذلك الإقطاع، فإنها كانت تستخرج على حكم الشهور الهلالية لا الشمسية بحيث لو تعجلها مقطع في غرّة السنة على العادة في ذلك، وخرج الإقطاع عنه في أثناء السنة بوفاة أو نقلة إلى غيره، استحق منها نظير ما مضى من شهور السنة إلى حين انتقال الإقطاع عنه، لا على حكم ما استحق من المغلّ، ويستحق المتصل من استقبال تاريخ منشوره كعادة النقود، والمتخلل بينهما من المدّة مستحق ذلك الديوان، فيردّ من جملة المحلولات من الإقطاعات وكان من أبواب الهلالي جهات تسمى المعاملات، وهي: الزكاة والمواريث والثغور والمتجر والشب والنطرون والجبس الجيوشي ودار الضرب ودار العيار والجاموس وأبقار الجبس والأغنام والغروس والبساتين والأحكار والرباع والمراكب، وما يستأدي من الذمة غير الجوالي، وساحل السنط، والخراج والقرظ ومقرّر الجسور وموظف الاتبان ومقرّر القصب ومقرّر البريد ومقرّر البسط وعشر العرق، وغير ذلك من جهات المكوس.
فأما الجزية: وتعرف في زمننا بالجوالي فإنها تستخرج سلفا وتعجيلا في غرّة السنة، وكان يتحصل منها مال كثير فيما مضى. قال القاضي الفاضل في متجدّدات الحوادث الذي انعقد عليه ارتفاع الجوالي لسنة سبع وثمانين وخمسمائة مائة ألف وثلاثون ألف دينار، وأما في وقتنا هذا، فإنّ الجوالي قلت جدّا لكثرة إظهار النصارى للإسلام في الحوادث التي مرّت بهم.
ولما استبدّ السلطان الملك المؤيد شيخ بملك مصر، بعد الخليفة العباس بن محمد أمير المؤمنين المستعين بالله، ولى رجلا جباية الجوالي فكثر الاستقصاء عن الذمة والكدّ في الاستخراج منهم، فبلغت الجوالي في سنة ست عشرة وثمانمائة أحد عشر ألف دينار وأربعمائة دينار، سوى ما غرم للأعوان وهو قدر كثير.
وأما المراعي وهو الكلأ المطلق المباح الذي أنبته الله تعالى لرعي دواب بني آدم فأوّل من أدخلها الديوان بمصر أحمد بن مدبر، لما ولي الخراج، وصير لذلك ديوانا وعاملا جلدا يحظر على الناس أن يتبايعوا المراعي، أو يشتروها إلا من جهته، وأدركنا المراعي ببلاد الصعيد مما يضاف إلى الإقطاعات، فيأخذ الأمير ممن يرعى دوابه في أرض بلده الكتيح في كل سنة، مالا عن كل رأس فيجبى من صاحب الماشية بعدد أنعامه، فلما اختلّ أمر الصعيد