في الحوادث الكائنة منذ سنة ست وثمانمائة، تلاشى الأمر في ذلك، وكانت العادة القديمة أن يندب للمراعي مشدّ وشهود، وكاتب، فيعدّون المواشي، ويستخرجون من أربابها عن كل رأس شيئا، ولا يكون ذلك إلا بعد هبوط النيل، ونبات الكلأ واستهلاكه للمرعى.
وأما المصايد فهي ما أطعم الله سبحانه وتعالى من صيد البحر، وأوّل من أدخلها الديوان أيضا ابن مدبر، وصير لها ديوانا واحتشم من ذكر المصايد، وشناعة القول فيها، فأمر أن يكتب في الديوان خراج مضارب الأوتار ومغارس الشباك، فاستمرّ ذلك، وكان يندب لمباشرتها مشدّ وشهود وكاتب إلى عدّة جهات، مثل: خليج الإسكندرية، وبحيرة الإسكندرية، وبحيرة نسترو وثغر دمياط وجنادل ثغر أسوان، وغير ذلك من البرك والبحيرات، فيخرجون عند هبوط النيل، ورجوع الماء من المزارع إلى بحر النيل بعد ما تكون أفواه الترع قد سكرت، وأبواب القناطر قد سدّت عند انتهاء زيادة النيل كيما يتراجع الماء، ويتكائف مما يلي المزارع، ثم تنصب شباك، وتصرف المياه، فيأتي السمك وقد اندفع مع الماء الجاري، فتصدّه الشباك عن الانحدار مع الماء، ويجتمع فيها فيخرج إلى البر، ويوضع على أنخاخ ويملح، ويوضع في الأمطار فإذا استوى بيع، وقيل له: الملوحة والصير، ولا يكون ذلك إلا فيما كان من السمك في قدر الأصبع فما دونه، ويسمون هذا الصنف إذا كان طريا ابسارية، فتؤكل مشوية ومقلية، ويصاد من بحيرة نسترو، وبحيرة تنيس، وبحيرة الإسكندرية، أسماك تعرف: بالبوري، وقيل لها ذلك لأنها كانت تصاد عند قرية من قرى تنيس يقال لها: بورة، وقد خربت، والنسبة إليها البوريّ، ونسب إليها جماعة من الناس منهم بنو البوري.
وقيل لهذا السمك البوريّ إضافة إلى القرية المذكورة، وقد بطل في زمننا اليوم أمر هذه المصايد إلا من بحيرة نسترو بالبرلس وبحيرة تنيس بدمياط فقط، وهاتان البحيرتان تجريان في ديوان الخاص وهما مضمنتان، وما يخرج منهما من البوريّ وغيره من أنواع السمك، فللسلطان لا يقدر أحد أن يتعرّض لصيد شيء منه إلا أن يكون من صياديهما القائمين بالضمان، وما عدا هاتين البحيرتين من البرك والأملاق والخلجان، فليست للسلطان، وأما بحيرة اسكندرية فقد جفت وثغر أسوان، فقد خرج عن يد السلطنة وتغلب عليه أولاد الكفرة، ثم برك بأيدي أقوام كبركة الفيل، بيد أولاد الملك الظاهر بيبرس، وبركة الرطلي، بيد أولاد الأمير بكتمر الحاجب، وغير ذلك. فإنّ أسماكها مضمنة لهم يبيعونها ومع ذلك لا يمنع أحد الصيد منها.
وأما بحر النيل فما صيد منه يحمل إلى دار السمك بالقاهرة، فيباع ويؤخذ منه مكس السلطان إلا أنّ الأمير جمال الدين يوسف الإستادار، زاد فيما كان يؤخذ من الصيادين مكسا، ومن حينئذ قلّ السمك بالقاهرة وغلا سعره.