وجهه كالأنف والعين والأذن متناسبة كما تصنع الطبيعة الصور متناسبة، فإنّ أنف الطفل مثلا مناسب له، وهو حسن به حتى لو كان ذلك الأنف لرجل كان مشوّها، وكذلك أنف الرجل لو كان لصبيّ لتشوّهت صورته، وعلى هذا سائر الأعضاء فكل عضو ينبغي أن يكون على مقدار ماهيته بالقياس إلى الصورة وعلى نسبتها، والعجب من مصوّره كيف قدر أن يحفظ التناسب للأعضاء مع عظمها، وإنه ليس في أعمال الطبيعة ما يحاكيه.
ويقابله في برّ مصر قريبا من دار الملك: صنم عظيم الخلقة والهيئة متناسب الأعضاء كما وصف، وفي حجره مولود وعلى رأسه مأجور، الجميع صوّان ماتع يزعم الناس أنه امرأة وأنها سريّة أبي الهول المذكور، وهي بدرب منسوب إليها ويقال: لو وضع على رأس أبي الهول خيط ومدّ إلى سريته لكان على رأسها مستقيما.
ويقال: إن أبا الهول، طلسم الرمل يمنعه عن النيل، وإنّ السرية طلسم الماء يمنعه عن مصر.
وقال ابن المتوّج «١» : زقاق الصنم، هو الزقاق الشارع، أوّله بأوّل السوق الكبير بجوار درب عمار، ويعرف الصنم بسرية فرعون، وذكر أنه طلسم النيل لئلا يغلب على البلد.
وقيل: إن بلهيب الذي عند الأهرام يقابله، وإنّ ظهر بلهيب إلى الرمل، وظهر هذا إلى النيل، وكل منهما مستقبل الشرق، وقد نزل في سنة إحدى عشرة وسبعمائة، أمير يعرف ببلاط في نفر من الحجارين والقطاعين وكسروا الصنم المعروف بالسرية، وقطعوه أعتابا وقواعد ظنا أن يكون تحته مال، فلم يوجد سوى أعتاب من حجر عظيمة، فحفر تحتها إلى الماء فلم يوجد شيء، وجعل من حجرة قواعد تحتانية للعمد الصوّان التي بالجامع المستجد بظاهر مصر المعروف: بالجامع الجديد الناصريّ، وأزيل عين هذا الصنم من مكانه، والله أعلم.
وفي زمننا، كان شخص يعرف بالشيخ محمد صائم الدهر من جملة صوفية الخانقاه الصلاحية سعيد السعداء، قام في نحو من سنة ثمانين وسبعمائة لتغيير أشياء من المنكرات، وسار إلى الأهرام وشوّه وجه أبي الهول وشعثه، فهو على ذلك إلى اليوم، ومن حينئذ غلب الرمل على أراض كثيرة من الجيزة، وأهل تلك النواحي يرون أن سبب غلبة الرمل على الأراضي فساد وجه أبي الهول ولله عاقبة الأمور، وما أحسن قول ظافر الحدّاد:
تأمّل هيئة الهرمين واعجب ... وبينهما أبو الهول العجيب