عنها، فوصفها له، وأخبره بها، وكان بيصر بن حام قد كبر وضعف فساقه ولده مصرايم، وجميع إخوته إلى مصر، فنزلوها وبذلك سميت: مصر.
وملك بعده: ابنه قبطيم (ويقال له: قفط) بن مصرايم، وهو أوّل من عمل العجائب بعد الطوفان، فاستخرج المعادن وشق الأنهار، ونصب الأعلام والمنارات وعمل الطلسمات.
ويقال: إنّ مصرايم لما مات، اختلف أولاده من بعده، وكان قفط أصغرهم، فاجتمعوا عند الأهرام ورضوا بأنّ من غلب منهم أخاه أخذ الملك، فتحارب أشموم وأتريب، فغلب أتريب، ثم تحارب صا، هو وأشموم، فغلب أشموم، ثم تحارب قفط وصا، فغلب قفط فأخذ قفط الملك بعد أبيه، وأطاعه أخوته وسكن مدينة منف دار مملكة أبيه، وتزوّج امرأة ولدت له، أربعة أولادهم: قفطريم، وأشمون، وأتريب، وصا، فتناسلوا وكثروا وعمروا البلاد، ثم إنه قسم الأرض بين أولاده الأربعة عند وفاته، فجعل لولده قفطريم من أسوان إلى قفط، وجعل لولده أشمون من مدينة قفط إلى مدينة منف، وجعل لولده أتريب الجرف كله، وجعل لولده صا من ناحية البحيرة إلى الغرب، وجعل أمرهم إلى قفطريم وأمر كل واحد منهم أن يبني لنفسه مدينة في حيزه، وجعل لنفسه سربا تحت الجبل الكبير، وصفحه بالمرمر، وعمل فيه منافذ للريح فصارت تنخرق فيه بدويّ عظيم، وأقام في السرب رؤوسا من نحاس مطلية تضيء كالسرج ليلا ونهارا. ولما مات وضع جسده بهذا السرب في جرن من ذهب بعد ما ألبس ثيابا منسوجة بالدر والمرجان، وأقيم عند رأسه عمود من مرمر عليه جوهرة تضيء، وعمل حول الجرن توابيت من حجارة ملوّنة حولها مصاحف الحكمة، ووضعت عنده أمواله وكنوزه وذخائره وزبروا عليه كما زبروا على أبيه، وانتقل كل من أولاده إلى حيزه، فانتقل صا بأهله وأولاده وسكن مدينة صا الآتي ذكرها.
ويقال: كانت البلبلة في أيام قفط، وأنه ألهمه الله تعالى اللغة القبطية، وأنه أقام ملكا أربعمائة وثمانين سنة، ومات، فدفن بأرض الواحات وملك بعده أخو أشمن بن مصر، وقيل: بل أسكن في حياته ابنه قفطريم في حيزه، فشرع في العمارة وكان جبارا عظيم الخلقة، فأثار من المعادن ما لم يثره أحد قبله وبنى مدينة دندرة، وعمل في جبل قفط منارا عاليا يرى منه البحر الشرقيّ، ووجد هناك معادن من الزئبق، وعمل البركة التي سماها صيادة الطير، وهلك عاد بالريح في آخر أيامه، وفي أيامه أثارت الشياطين الأصنام التي أغرقها الطوفان، فعبدت، وأقام ملكا أربعمائة وثمانين سنة ومات.
وذكر ابن عبد الحكيم: بعد مصر بن بيصر قفط بن مصر، وأنّ الذي ملك بعد قفط أخوه اشمن، ثم أتريب بن مصر، ثم صا بن مصر، ثم ابنه تدارس بن صا، ثم ابنه ماليق بن تدارس، ثم ابنه حزابا بن ماليق، ثم ابنه كلكلي بن حزابا، ويقال: إنّ أشمن، لما ملك بعد