أخيه، سار إليه شدّاد بن هدّاد بن شدّاد بن عاد، وملك أرض مصر، وهدم مبانيها، وبنى أهراما ومضى إلى موضع الإسكندرية، فبناها وأقام دهرا، ثم خرجت العادية من أرض مصر، فعاد أشمن إلى ملكه، وأنه ملك بعده أخوه صا، ثم ملك بعد صا ابنه تدارس، وفي أيامه بعث الله صالحا إلى ثمود ومات.
فملك ابنه ماليق البودسير، وكان من الجبابرة العظام عمل أعمالا عظيمة، منها منار فوقه قبة لها أربعة أركان في كل ركن كوّة يخرج منها في يوم معلوم عندهم من كل سنة، دخان ملتف في ألوان شتى يستدلون بكل لون على شيء، فإن خرج الدخان أخضر، دل على العمارة والخصب في تلك السنة، وإن خرج أبيض، دل على الجدب وقلة الخير، وإن خرج أحمر، دل على الحروب وقصد الأعداء، وإن خرج أصفر، دل على النيران وآفات تحدث من الملك، وإن خرج أسود، دل على الأمطار والسيول، وفساد بعض الأرض، وإن خرج مختلطا، دل على كثرة الظلم وبغي الناس بعضهم على بعض.
وعمل شجرة من نحاس تجذب سائر الوحوش حتى تصل إليها، فلا تستطيع الحركة إلى أن تؤخذ، فشبع أهل مصر من لحوم الوحوش، واتفق أنّ غرابا نقر عين صبي من أولاد الكهنة فقلعها، فعمل شجرة من نحاس عليها غراب منشور الجناحين وفي منقاره حية، وعلى ظهره أسطر، فكانت الغربان تقع على هذه الشجرة، ولا تبرح حتى تموت، وكانت الرمال قد كثرت في أيامه على أرض مصر من ناحية الغرب، فعمل صنما من صوّان أسود على قاعدة منه، وفوق كتبه قفة فيها مسحاة ونقش على وجهه وصدره وذراعيه كتابة، وجعل وجهه إلى الغرب، فانكشفت الرمال ورجعت بها الرياح إلى ورائها، وصارت تلالا عالية.
وبعث بهرمس الحكيم، إلى جبل القمر الذي يخرج منه النيل، فعمل تماثيل النحاس، وعدّل جانبي النيل، وكان قبله يفيض في مواضع وينقطع في مواضع وسار مغرّبا لينظر ما وراء ذلك، فوقع على أرض واسعة ينخرق فيها الماء والأشجار فبنى فيها منتزهات، وأقام بها وحوّل إليها عدّة من أهله فعمروا تلك النواحي حتى صارت أرض الغرب كلها معمورة، ثم خالطتهم البربر، وجرت بينهم حروب كثيرة أفنتهم، فخربت تلك البلاد، ولم يبق منها إلا الواحات، ثم إنّ البودسير احتجب عن الناس، وصار يبرز وجهه من مقعده في النادر، وربما خاطبهم من حيث لا يرونه.
وذكر أبو الحسن المسعوديّ في كتاب أخبار الزمان: إنّ أوّل من تحقق بالكهانة وغير الدين وعبد الكواكب البودسير، وتزعم القبط أنّ الكواكب كانت تخاطبه، وأنّ له عجائب كثيرة منها: أنه استتر عن الناس عدّة سنين من ملكه، وكان يظهر لهم وقتا بعد وقت مرّة في كل سنة، وهو حلول الشمس في برج الحمل، ويدخل الناس إليه، فيخاطبهم، وهم يرونه فيأمرهم وينهاهم ويحذرهم مخالفة أمره، ثم بنيت له قبة من فضة مطلية بذهب، فصار