فجعل لقبطيم من بلد إلى أسوان، ولأشمون، من بلد أشمون إلى منف، ولأتريب، الحوف كله، ولصا من ناحية صا البحيرة إلى قرب برقة، وقال لأخيه فارق لك من برقة إلى الغرب، فهو صاحب إفريقية وولده الأفارق، وأمر كلّ واحد من بنيه أن يبني لنفسه مدينة في موضعه.
وقال ابن عبد الحكم: فلما كثر ولد مصر وأولاد أولادهم، قطع مصر لكل واحد منهم قطعة يحوزها لنفسه ولولده، وقسم لهم هذا النيل، فقطع لابنه قفط، موضع قفط فسكنها، وبه سميت: قفط قفطا، وما فوقها إلى أسوان، وما دونها إلى أشمون في الشرق والغرب، وقطع لأشمون من أشمون فما دونها في الشرق والغرب إلى منف، فسكن أشمون أشمون، فسميت به، وقطع لأتريب ما بين منف إلى صا فسكن أتريب فسميت به، وقطع لصا ما بين صا إلى البحر، فسكن صا فسميت به، فكانت مصر كلها على أربعة أجزاء: جزأين بالصعيد، وجزأين بأسفل الأرض.
وقال أبو الفضل جعفر بن ثعلب بن جعفر الأدفوي «١» في كتاب الطالع السعيد في تاريخ الصعيد: مسافة إقليم الصعيد الأعلى مسيرة اثني عشر يوما بسير الجمال، وعرضه ثلاث ساعات، وأكثر بحسب الأماكن العامرة، ويتصل عرضه في الكورة الشرقية بالبحر الملح وأراضي البجة، وفي الغربية، بألواح وهي كورتان: شرقية، وغربية، والنيل بينهما فاصل، وأوّل الشرقية من مرج بني هميم المتصلة أرضها بأراضي جرجا من عمل أخميم، وآخرها من قبليّ الهو ويليها أوّل أراضي النوبة، وفي هذه الكورة تيج، وقفط وقوص، وأوّل الكورة الغربية، برديس تتصل أرضها بأرض جرجا، وفي هذه الكورة الغربية سمهود، وآخر الكورة الغربية أسوان وبحافته أكثر النخل من الجانبين، تكون مساحة الأراضي التي فيها النخل والبساتين تقارب عشرين ألف فدّان، والمستولي على إقليم الصعيد المشتري.
ويقال: كان بصعيد مصر، نخلة تحمل عشرة أرادب تمرا، فغصبها بعض الولاة فلم تحمل في ذلك العام ولا تمرة واحدة، وكانت هذه النخلة في الجانب الغربيّ، وبيع منها في الغلاء كل ويبة بدينار.
ويقال: لما صوّرت الدنيا لأمير المؤمنين هارون بن محمد الرشيد لم يستحسن إلا كورة سيوط من صعيد مصر، فإنها ثلاثون ألف فدّان في استواء من الأرض لو وقعت فيها قطرة ماء لانتشرت في جميعها.