غلاظ من السدر والشوحط يرمون عليها بنبل مسموم، وهذا السم يعمل من عروق شجر الغلف يطبخ على النار حتى يصير مثل الغرا فإذا أرادوا تجربته شرط أحدهم جسده، وسيل الدم ثم شممه هذا السم، فإذا تراجع الدم علم أنه جيد، ومسح الدم لئلا يرجع إلى جسمه فيقتله، فإذا أصاب الإنسان قتل لوقته، ولو مثل شرطة الحجام، وليس له عمل في غير الجرح والدم وإن شرب منه لم يضرّ، وبلدانهم كلها معادن، وكلما تصاعدت كانت أجود ذهبا وأكثر، وفيها معادن الفضة والنحاس والحديد والرصاص وحجر المغناطيس والمرقشيتا والحمست والزمرّذ وحجارة شطبا، فإذا بلّت الشطبة منها بزيت وقدت مثل الفتيلة وغير ذلك مما شغلهم طلب معادن الذهب عما سواه.
والبجة لا تتعرّض لعمل شيء من هذه المعادن، وفي أوديتهم شجر المقل «١» والإهليلج والإذخر، والشيح والسنا والحنظل، وشجر البان وغير ذلك، وبأقصى بلدهم:
النخل وشجر الكرم والرياحين، وغير ذلك مما لم يزرعه أحد، وبها سائر الوحش من السباع والفيلة والنمور والفهود والقردة وعناق الأرض والزباد، ودابة تشبه الغزال حسنة المنظر لها قرنان على لون الذهب قليلة البقاء إذا صيدت، ومن الطيور: الببغاء، والنقيط، والنوبيّ، والقماريّ، ودجاج الحبش، وحمام بازين، وغير ذلك.
وليس منهم رجل إلا منزوع البيضة اليمنى، وأما النساء فمقطوع أشفار فروجهنّ وإنه يلتحم حتى يشق عنه للمتزوّج بمقدار ذكر الرجل، ثم قلّ هذا الفعل عندهم، وقيل: إنّ السبب في ذلك أنّ ملكا من الملوك حاربهم قديما، ثم صالحهم وشرط عليهم قطع ثديّ من يولد لهم من النساء، وقطع ذكور من يولد من الرجال، أراد بذلك قطع النسل منهم، فوفوا بالشرط، وقلبوا المعنى في أن جعلوا قطع الثديّ للرجال، والفروج للنساء، وفيهم جنس يقلعون ثناياهم ويقولون: لا نتشبه بالحمير، وفيهم جنس آخر في آخر بلاد البجة يقال لهم:
البازة، نساء جميعهم يتسمون باسم واحد، وكذلك الرجال، فطرقهم في وقت رجل مسلم له جمال، فدعا بعضهم بعضا، وقالوا: هذا الله قد نزل من السماء، وهو جالس تحت الشجرة، فجعلوا ينظرون إليه من بعد.
وتعظم الحيات ببلدهم وتكثر أصنافها، ورئيت حية في غدير ماء، قد أخرجت ذنبها والتفت على امرأة وردت فقتلتها، فرؤي شحمها قد خرج من دبرها من شدّة الضغطة، وبها حية ليس لها رأس، وطرفاها سواء منقشة ليست بالكبيرة إذا مشى الإنسان على أثرها مات، وإذا قتلت وأمسك القاتل ما قتلها به من عود أو حربة في يده، ولم يلقه من ساعته مات، وقتلت حية منها بخشبة، فانشقت الخشبة، وإذا تأمّل هذه الحية أحد، وهي ميتة أو حية أصابه ضررها، وفي البجة شرّ وتسرع إليه، ولهم في الإسلام وقبله أذية على شرق صعيد