ووضعوا لهم علم الصنعة، وبنوا على غير البحر مدنا منها رقودة مكان الإسكندرية ولما حضر مصرايم الوفاة عهد إلى ابنه قبطيم، وكان قد قسم أرض مصر بين بنيه فجعل لقبطيم من قفط إلى أسوان ولأشمون من أشمون إلى منف ولأتريب الحوف كله ولصا من ناحية صا البحرية إلى قرب برقة وقال لأخيه: فارق لك من برقة إلى الغرب فهو صاحب إفريقة ووالد الأفارقة وأمر كل واحد من بنيه أن يبني لنفسه مدينة في موضعه وأمرهم عند موته أن يحفروا له في الأرض سربا وأن يفرشوه بالمرمر الأبيض، ويجعلوا فيه جسده، ويدفنوا معه جميع ما في خزائنه من الذهب، والجوهر، ويزبروا عليه أسماء الله تعالى المانعة من أخذه فحفروا له سربا طوله مائة وخمسون ذراعا وجعلوا في وسطه مجلسا مصفحا بصفائح الذهب، وجعلوا أربعة أبواب على كل باب منها تمثال من ذهب عليه تاج مرصع بالجوهر وهو جالس على كرسيّ من ذهب قوائمه من زبرجد وزبروا في صدر كل تمثال آيات مانعة وجعلوا جسده في جمد مرمر مصفح بالذهب وزبروا على مجلسه مات مصرايم بن بنصر بن حام بن نوح بعد سبعمائة عام مضت من أيام الطوفان ولم يعبد الأصنام إذ لا هرم، ولا سقام، ولا حزن، ولا اهتمام وحصنه بأسماء الله العظام، ولا يصل إليه إلا ملك ولدته سبعة ملوك تدين بدين الملك الديان ويؤمن بالمبعوث بالفرقان الداعي إلى الإيمان آخر الزمان، وجعلوا معه في ذلك المجلس: ألف قطعة من الزبرجد المخروط، وألف تمثال من الجوهر النفيس، وألف برنية مملوءة من الدرّ الفاخر والصنعة الإلهية والعقاقر، والطلسمات العجيبة، وسبائك الذهب وسقفوا ذلك بالصخور، وهالوا فوقها الرمال بين جبلين وولي ابنه قبطيم الملك.
قال أبو محمد عبد الملك بن هشام «١» في كتاب التحائف: أنّ عبد شمس بن يشجب بن يعرب بن قحطان بن هود أخي عاد ابن عامر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح عليه السلام واسم عبد شمس هذا: عامر، وعرف بعبد شمس لأنه أوّل من عبد الشمس وقيل له أيضا:(سبأ) لأنه أوّل من سبأ وهو سبأ الأكبر أبو حمير وكهلان ملك بعد أبيه يشجب بأرض اليمن جميع بني قحطان وبني هود عليه السلام، وحثهم على الغزو ثم سار بهم إلى أرض بابل ففتحها وقتل من كان بها من الثوار حتى بلغ أرض أرمينية، وملك أرض بني يافث بن نوح وأراد أن يعبر من هناك إلى الشام، وأرض الجزيرة فقيل له: ليس لك مجاز غير الرجوع في طريقك فبنى قنطرة على البحر وجاز عليها إلى الشام فأخذ تلك الأراضي إلى الدرب، ولم يكن خلف الدرب إذ ذاك أحد ثم نهض يريد بلاد العرب فنزل على النيل، وجمع أهل مشورته وقال لهم: إني رأيت أن أبني مصرا إلى حدّ بين هذين البحرين يعني بحر الروم، وبحر القلزم. فيكون فاصلا بين الشرق والغرب فقالوا: نعم الرأي أيها الملك، فبنى مدينة سماها مصر، وولى عليها ابنه بابليون ومضى إلى بني حام بن نوح