للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مائة جفنة يطاف بها على القبائل تحمل على العجل، وكتب عبد الملك إليه، أن ينزل له عن ولاية العهد، ليعهد إلى الوليد وسليمان، فأبى ذلك، وكتب إليه إن يكن لك ولد فلنا أولاد، ويقضي الله ما يشاء، فغضب عبد الملك، وقال: فرّق الله بيني وبينه، فلم يزل به عليّ حتى رضي، فقدم على عبد العزيز، فأخبره عن عبد الملك وعن حاله، ثم أخبره بدعوته فقال: أفعل أنا، والله مفارقه، والله ما دعا دعوة قط إلا أجيبت، وكان عبد العزيز يقول: قدمت مصر في إمرة مسلمة بن مخلد، فتمنيت بها ثلاث أمانيّ، فأدركتها تمنيت ولاية مصر، وأن أجمع بين امرأتي مسلمة ويحجبني قيس بن كليب حاجبه، فتوفي مسلمة، وقدم مصر، فوليها وحجبه قيس، وتزوّج امرأتي مسلمة، وتوفي ابنه الأصبغ بن عبد العزيز لتسع بقين من ربيع الآخر، سنة ست وثمانين، فمرض عبد العزيز وتوفي ليلة الاثنين لثلاث عشرة خلت من جمادى الأولى سنة ست وثمانين، فحمل في النيل من حلوان إلى الفسطاط، فدفن بها.

وقال ابن أبي مليكة: رأيت عبد العزيز بن مروان حين حضره الموت يقول: ألا ليتني لم أك شيئا مذكورا، ألا ليتني كنابتة من الأرض أو كراعي إبل في طرف الحجاز، ولما مات لم يوجد له مال ناض! إلا سبعة آلاف دينار، وحلوان، والقيسارية، وثياب بعضها مرقوع، وخيل ورقيق، وكانت ولايته على مصر، عشرين سنة وعشرة أشهر وثلاثة عشر يوما، ولم يلها في الإسلام قبله أطول ولاية منه.

وكان بحلوان في النيل، معدّية من صوّان تعدّي بالخيل تحمل فيها الناس وغيرهم من البرّ الشرقيّ بحلوان إلى البرّ الغربيّ فلما كان «١» وهذا من الأسرار التي في الخليقة، فإنّ جميع الأجسام المعدنية كالحديد والنحاس والفضة والرصاص والذهب والقصدير، إذ عمل من شيء منها إناء يسع من الماء أكثر من وزنه، فإنه يعوم على وجه الماء، ويحمل ما يمكنه، ولا يغرق، وما برح المسافرون في بحر الهند إذا أظلم عليهم الليل ولم يروا ما يهديهم من الكواكب إلى معرفة الجهات، يحملون حديدة مجوّفة على شكل سمكة، ويبالغون في ترقيقها جهد المقدرة، ثم يعمل في فم السمكة شيء من مغناطيس جيدا، ويحك فيها بالمغناطيس، فإنّ السمكة إذا وضعت في الماء دارت، واستقبلت القطب الجنوبيّ بفمها، واستدبرت القطب الشماليّ وهذا أيضا من أسرار الخليفة فإذا عرفوا جهتي الجنوب والشمال تبين منهما المشرق والمغرب، فإنّ من استقبل الجنوب فقد استدبر الشمال وصار المغرب عن يمينه والمشرق عن يساره، فإذا تحدّدت الجهات الأربع عرفوا مواقع البلاد بها، فيقصدون حينئذ جهة الناحية التي يريدونها.

<<  <  ج: ص:  >  >>