على مصر في جمادى الآخرة سنة خمس وستين، جعل صلاتها وخراجها إلى ابنه عبد العزيز بعد ما أقام بمصر شهرين، فقال عبد العزيز: يا أمير المؤمنين! كيف المقام ببلد ليس به أحد من بني أبي؟ فقال له مروان: يا بني عمّهم بإحسانك يكونوا كلهم بني أبيك، واجعل وجهك طلقا تصف لك مودّتهم، وأوقع إلى كل رئيس منهم إنه خاصتك دون غيره، يكن لك عينا على غيره، وينقاد قومه إليك، وقد جعلت معك أخاك بشرا مؤنسا، وجعلت لك موسى بن نصير وزيرا أو مشيرا، وما عليك يا بنيّ أن تكون أميرا بأقصى الأرض، أليس ذلك أحسن من إغلاق بابك وخمولك في منزلك، وأوصاه عند مخرجه من مصر إلى الشام، فقال: أوصيك بتقوى الله في سرّ أمرك وعلانيته، فإنّ الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون، وأوصيك أن لا تجعل لداعي الله عليك سبيلا، فإن المؤذن يدعو إلى فريضة افترضها الله، إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا، وأوصيك أن لا تعد الناس موعدا إلا أنفذته لهم، وإن حملته على الأسنة، وأوصيك أن لا تعجل في شيء من الحكم حتى تستشير، فإنّ الله لو أغنى أحدا عن ذلك لأغنى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلّم عن ذلك، بالوحي الذي يأتيه، قال الله عز وجل: وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ
[١٥٩/آل عمران] .
وخرج مروان من مصر، لهلال رجب سنة خمس وستين، فوليها عبد العزيز على صلاتها وخراجها، وتوفي مروان لهلال رمضان، وبويع ابنه عبد الملك بن مروان، فأقرّ أخاه عبد العزيز ووفد على عبد الملك في سنة سبع وستين، وجعل له الحرس والخيل والأعوان جناب بن مرثد الرعينيّ، فاشتدّ سلطانه، وكان الرجل إذا غلظ لعبد العزيز وخرج تناوله جناب ومن معه فضربوه، وحبسوه، وعبد العزيز أوّل من عرّف بمصر في سنة إحدى وسبعين.
قال يزيد بن أبي حبيب: أوّل من أحدث القعود يوم عرفة في المسجد بعد العصر عبد العزيز بن مروان.
وفي سنة اثنتين وسبعين، صرف بعث البحر إلى مكة، لقتال عبد الله بن الزبير، وجعل عليهم مالك بن شرحبيل الخولانيّ، وهم: ثلاثة آلاف رجل فيهم: عبد الرحمن بن بحنس، مولى ابن أبزى، وهو الذي قتل ابن الزبير «١» وخرج إلى الإسكندرية في سنة أربع وسبعين، ووفد على أخيه عبد الملك في سنة خمس وسبعين، وهدم جامع الفسطاط كله، وزاد فيه من جوانبه كلها في سنة سبع وسبعين، وأمر بضرب الدنانير المنقوشة.
وقال ابن عفير: كان لعبد العزيز ألف جفنة، كل يوم تنصب حول داره، وكانت له