للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأخذوا منهم مركبا، وقتلوا من فيه وأسروا عشرة.

وقال اليعقوبيّ «١» : الفرما، أوّل مدن مصر من جهة الشمال، وبها أخلاط من الناس، وبينها وبين البحر الأخضر، ثلاثة أميال.

وقال ابن الكنديّ: ومنها الفرما، وهي أكثر عجائب، وأقدم آثارا، ويذكر أهل مصر:

أنه كان منها طريق إلى جزيرة قبرس في البرّ، فغلب عليها البحر، ويقولون: إنه كان فيما غلب عليه البحر مقطع الرخام الأبلق، وإنّ مقطع الأبيض بلوبية.

وقال يحيى بن عثمان: كنت أرابط في الفرما، وكان بينها وبين البحر قريب من يوم يخرج الناس والمرابطون في أخصاص على الساحل، ثم علا البحر على ذلك كله. وقال ابن قديد: وجّه ابن المدبر، وكان بتنيس، إلى الفرما في هدم أبواب من حجارة شرقيّ الحصن، احتاج أن يعمل منها جيرا، فلما قلع منها حجر، أو حجران، خرج أهل الفرما بالسلاح، فمنعوا من قلعها، وقالوا: هذه الأبواب التي قال الله فيها على لسان يعقوب عليه السلام: يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ

[يوسف/ ٦٧] والفرما بها النخل العجيب الذي يثمر حين ينقطع البسر والرطب من سائر الدنيا، فيبتدىء هذا الرطب من حين يلد النخل في الكوانين، فلا ينقطع أربعة أشهر، حتى يجيء البلح في الربيع، وهذا لا يوجد في بلد من البلدان لا بالبصرة ولا بالحجاز ولا باليمن، ولا بغيرها من البلدان، ويكون في هذا البسر، ما وزن البسرة الواحدة فوق العشرين درهما، وفيه ما طول البسرة نحو الشبر والفتر.

وقال ابن المأمون البطائحي في حوادث سنة تسع وخمسمائة: ووصلت النجابون من والي الشرقية تخبر بأنّ بغدوين ملك الفرنج، وصل إلى أعمال الفرما، فسيّر الأفضل بن أمير الجيوش للوقت إلى والي الشرقية بأن يسير المركزية والمقطعين بها، وسيّر الراجل من العطوفية، وأن يسير الوالي بنفسه بعد أن يتقدّم إلى العربان بأسرهم بأن يكونوا في الطوالع، ويطاردوا الفرنج، ويشارفوهم بالليل قبل وصول العساكر إليه، فاعتمد ذلك، ثم أمر بإخراج الخيام، وتجهيز الأصحاب والحواشي، فلما تواصلت العساكر وتقدّمها العربان، وطاردوا الفرنج، وعلم بغدوين ملك الفرنج أنّ العساكر متواصلة إليه، وتحقق أن الإقامة لا تمكنه أمر أصحابه بالنهب والتخريب والإحراق وهدم المساجد، فأحرق جامعها ومساجدها وجميع البلد، وعزم على الرحيل، فأخذه الله سبحانه وتعالى، وعجل بنفسه إلى النار، فكتم أصحابه موته، وساروا بعد أن شقوا بطن بغدوين، وملأوه ملحا حتى بقي إلى بلاده، فدفنوه بها.

<<  <  ج: ص:  >  >>