وأما العساكر الإسلامية فإنهم شنوا الغارات على بلاد العدوّ، وعادوا بعد أن خيموا على ظاهر عسقلان، وكتب إلى الأمير ظهير الدين طفدكين صاحب دمشق بأن يتوجه إلى بلاد الفرنج، فسار إلى عسقلان، وحملت إليه الضيافات وطولع بخبر وصوله، فأمر بحمل الخيام، وعدّة وافرة من الخيل والكسوات والبنود والأعلام، وسيف ذهب، ومنطقة ذهب، وطوق ذهب، وبدلة طقم، وخيمة كبيرة مكملة ومرتبة ملوكية وفرشها وجميع آلاتها، وما تحتاج إليه من آلات الفضة، وسير برسم شمس الخواص، وهو مقدم كبير خلعة مذهبة ومنطقة ذهب وسيف، وسير برسم المميزين من الواصلين، خلع وسيوف، وسلم ذلك بثبت لأحد الحجاب، وسير معه فرّاشان برسم الخيام، وأمر بضرب الخيمة الكبيرة وفرشها، وأن يركب والي عسقلان وظهير الدين وشمس الخواص وجميع الأمراء الواصلين والمقيمين بعسقلان إلى باب الخيمة ويقبلوه، ثم إلى بساطها والمرتبة المنصوبة، ثم يجلس الوالي وظهير الدين وشمس الخواص والمقدّمون، ويقف الناس بأجمعهم إجلالا وتعظيما، ويخلع على الأمير ظهير الدين، وشمس الخواص، وتشدّ المناطق في أوساطهما، ويقلدا بالسيوف ويخلع بعدهما على المميزين، ثم يسير ظهير الدين والمقدّمون بالتشريف والأعلام، والرايات المسيرة إليهم إلى أن يصلوا إلى الخيام التي ضربت لهم، فإذا كان كل يوم يركب الوالي، والأميران والمقدّمون والعساكر إلى الخيمة الملوكية، ويتفاوضون فيما يجب من تدبير العساكر، فامتثل ذلك، وتواصلت الغارات على بلاد العدوّ وأسروا وقتلوا، فسير إليهم الخلع ثانيا، وجعل الشمس الخواص خاصة في هذه السفرة عشرة آلاف دينار، وتسلم ظهير الدين الخيمة الكبيرة بما فيها، وكان تقدير ما حصل له ولأصحابه ثلاثين ألف دينار وبلغ المنفق في هذه النوبة وعلى ذهاب بغدوين وهلاكه مائة ألف دينار.
وفي شهر رجب سنة خمس وأربعين وخمسمائة، نزل الفرنج على الفرما في جمع كبير، وأحرقوها ونهبوا أهلها، وآخر أمرها أنّ الوزير شاور خرّبها لما خرج منها متوليها، ملهم أخو الضرغام في سنة «١» ، فاستمرّت خرابا لم تعمر بعد ذلك، وكان بالفرما والبقارة والورادة عرب من جذام يقال لهم: القاطع، وهو جري بن عوف بن مالك بن شنوءة بن بديل بن جشم بن جذام منهم: عبد العزيز بن الوزير بن صابي بن مالك بن عامر بن عديّ بن حرش بن بقر بن نصر بن القاطع، مات في صفر سنة خمس ومائتين، وللسرويّ والجرويّ هنا أخبار كثيرة، نبهنا عليها في كتاب عقد جواهر الأسفاط في أخبار مدينة الفسطاط.
وقال ابن الكنديّ: وبها مجمع البحرين، وهو البرزخ الذي ذكره الله عزّ وجل، فقال:
مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ