للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما استغنى به أحد إلّا هداه إلى سبيل الفوز والنجاة من الهلاك، وهؤلاء العرب من بدء أمرهم، لم تردّ لهم راية، وقد فتحوا البلاد، وأذلوا العباد، وما لأحد عليهم قدرة، ولسنا بأشدّ من جيوش الشام، ولا أعز ولا أمنع، وإنّ القوم قد أيدوا بالنصر والظفر والرأي، أن تعقد مع القلوم صلحا ننال به الأمن وحقن الدماء وصيانة الحرم، فما أنت بأكثر رجالا من المقوقس.

فلم يعبأ الهاموك بقوله، وغضب منه، فقتله، وكان له ابن عارف عاقل، وله دار ملاصقة للسور، فخرج إلى المسلمين في الليل، ودلهم على عورات البلد، فاستولى المسلمون عليها، وتمكنوا منها، وبرز الهاموك للحرب، فلم يشعر بالمسلمين إلا وهم يكبرون على سور البلد، وقد ملكوه، فعند ما رأى شطا بن الهاموك المسلمين فوق السور، لحق بالمسلمين، ومعه عدّة من أصحابه، ففت ذلك في عضد أبيه، واستأمن للمقداد، فتسلم المسلمون دمياط، واستخلف المقداد عليها، وسير بخبر الفتح، إلى عمرو بن العاص، وخرج شطا، وقد أسلم إلى البرلس والدميرة وأشموم طناح، فحشد أهل تلك النواحي، وقدم بهم مدد للمسلمين، وعونا لهم على عدوّهم، وسار بهم مع المسلمين لفتح تنيس، فبرز لأهلها، وقاتلهم قتالا شديدا، حتى قتل رحمه الله في المعركة شهيدا بعد ما أنكى فيهم، وقتل منهم، فحمل من المعركة، ودفن في مكانه المعروف به، خارج دمياط، وكان قتله في ليلة الجمعة النصف من شعبان، فلذلك صارت هذه الليلة من كل سنة، موسما يجتمع الناس فيها من النواحي، عند شطا، ويحيونها، وهم على ذلك إلى اليوم، وما زالت دمياط بيد المسلمين إلى أن نزل عليها الروم في سنة تسعين من الهجرة، فأسروا خالد بن كيسان، وكان على البحر هناك وسيروه إلى ملك الروم، فأنفذه إلى أمير المؤمنين، الوليد بن عبد الملك من أجل الهدنة التي كانت بينه وبين الروم.

فلما كانت خلافة هشام بن عبد الملك، نازل الروم دمياط في ثلثمائة وستين مركبا، فقتلوا وسبوا، وذلك في سنة إحدى وعشرين ومائة، ولما كانت الفتنة بين الأخوين: محمد الأمين، وعبد الله المأمون، وكانت الفتن بأرض مصر، طمع الروم في البلاد، ونازلوا دمياط في أعوام بضع ومائتين.

ثم لما كانت خلافة أمير المؤمنين، المتوكل على الله وأمير مصر يومئذ عنبسة بن إسحاق «١» ، نزل الروم دمياط يوم عرفة من سنة ثمان وثلاثين ومائتين، فملكوها، وما فيها وقتلوا بها جمعا كثيرا من المسلمين، وسبوا النساء والأطفال، وأهل الذمّة، فنفر إليهم عنبسة بن إسحاق يوم النحر في جيشه، ونفر كثير من الناس إليهم، فلم يدركوهم، ومضى

<<  <  ج: ص:  >  >>