الروم إلى تنيس، فأقاموا بأشتومها، فلم يتبعهم عنبسة، فقال يحيى بن الفضيل للمتوكل:
أترضى بأن يوطأ حريمك عنوة ... وأن يستباح المسلمون ويحربوا
حمار أتى دمياط والروم وثب ... بتنيس رأي العين منه وأقرب
مقيمون بالأشتوم يبغون مثل ما ... أصابوه من دمياط والحرب ترتب
فما رام من دمياط شبرا ولا درى ... من العجز ما يأتي وما يتجنب
فلا تنسنا إنا بدار مضيعة ... بمصر وإنّ الدين قد كاد يذهب
فأمر المتوكل ببناء حصن دمياط، فابتدىء في بنائه، يوم الاثنين لثلاث خلون من شهر رمضان سنة تسع وثلاثين، وأنشأ من حينئذ الأسطول بمصر، فلما كان في سنة سبع طرق الروم دمياط في نحو مائتي مركب، فأقاموا يعبثون في السواحل شهرا، وهم يقتلون ويأسرون وكانت للمسلمين معهم معارك.
ثم لما كانت الفتن بعد موت كافور الإخشيديّ، طرق الروم دمياط لعشر خلون من رجب سنة سبع وخمسين وثلثمائة في بعض وعشرين مركبا، فقتلوا وأسروا مائة وخمسين من المسلمين.
وفي سنة ثمان وأربعمائة، ظهر بدمياط سمكة عظيمة طولها مائتان وستون ذراعا، وعرضها مائة ذراع، وكانت حمير الملح تدخل في جوفها موسوقة، فتفرّغ وتخرج، ووقف خمسة رجال في قحفها، ومعهم المجاريف يجرفون الشحم، ويناولونه الناس، وأقام أهل تلك النواحي مدّة طويلة يأكلون من لحمها.
وفي أيام الخليفة الفائز بنصر الله عيسى، والوزير حينئذ الصالح طلائع بن رزيك، نزل على دمياط نحو ستين مركبا في جمادى الآخرة سنة خمسين وخمسمائة، بعث بها لوجيز بن رجاو، صاحب صقلية، فعاثوا وقتلوا، ونزلوا تنيس ورشيد والإسكندرية، فأكثروا فيها الفساد.
ثم كانت خلافة العاضد لدين الله في وزارة شاور بن مجير السعديّ، الوزارة الثانية عند ما حضر ملك الفرنج مري إلى القاهرة، وحصرها وقرّر على أهلها المال، واحترقت مدينة الفسطاط، فنزل على تنيس وأشموم ومنية عمر، وصاحب أسطول الفرنج في عشرين شونة، فتل وأسر وسبى.
وفي وزارة الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب للعاضد، وصل الفرنج إلى دمياط في شهر ربيع الأول سنة خمس وستين وخمسمائة، وهم فيما يزيد على ألف ومائتي مركب، فخرجت العساكر من القاهرة، وقد بلغت النفقة عليهم زيادة على خمسمائة ألف وخمسين ألف دينار، فأقامت الحرب مدّة خمسة وخمسين يوما، وكانت صعبة شديدة،