للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكان هذا فألا حسنا، فإنه مات وهو على محاصرة تونس، ولما تسلم الأمراء دمياط وردت البشرى إلى القاهرة، فضربت البشائر، وزينت القاهرة ومصر، فقدمت العساكر من دمياط يوم الخميس تاسع صفر، فلما كان في سلطنة الأشرف موسى بن الملك المسعود، أقسيس بن الملك الكامل، والملك المعزّ عز الدين التركمانيّ، وكثر الاختلاف بمصر، واستولى الملك الناصر يوسف بن العزيز على دمشق، اتفق أرباب الدولة بمصر، وهم المماليك البحرية على تخريب مدينة دمياط خوفا من مسير الفرنج إليها مرّة أخرى، فسيروا إليها الحجارين والفعلة، فوقع الهدم في أسوارها يوم الاثنين الثامن عشر من شعبان سنة ثمان وأربعين وستمائة، حتى خربت كلها، ومحيت آثارها، ولم يبق منها سوى الجامع، وصار في قبليها أخصاص على النيل سكنها الناس الضعفاء، وسمّوها المنشية، وهذا السور هو الذي بناه أمير المؤمنين المتوكل على الله، كما تقدّم ذكره.

فلما استبدّ الملك الظاهر بيبرس البندقداري: الصالحيّ بمملكة مصر بعد قتل الملك المظفر «١» ، قطز أخرج من مصر عدّة من الحجارين في سنة تسع وخمسين وستمائة، لردم فم بحر دمياط، فمضوا وقطعوا كثيرا من القرابيص، وألقوها في بحر النيل الذي ينصب من شمال دمياط في البحر الملح، حتى ضاق، وتعذر دخول المراكب منه إلى دمياط، وهو إلى اليوم على ذلك لا تقدر مراكب البحر الكبار أن تدخل منه، وإنما ينقل ما فيها من البضائع في مراكب نيلية تعرف عند أهل دمياط، بالجروم واحدها: جرم، وتصير مراكب البحر، جبل في فم البحر، أو رمل يتربى هناك، وهذا قول باطل، حملهم عليه ما يجدونه من تلاف المراكب إذا هجمت على هذا المكان، وجهلهم بأحوال الوجود، وما مرّ من الوقائع، وإلى يومنا هذا يخاف على المراكب عند ورودها فم البحر، وكثيرا ما تتلف فيه.

وقد سرت إليه حتى شاهدته، ورأيته من أعجب ما يراه الإنسان.

وأما دمياط الآن فإنها حدثت بعد تخريب مدينة دمياط، وعمل هناك أخصاص، وما برحت تزداد إلى أن صارت بلدة كبيرة ذات أسواق وحمامات وجوامع ومدارس ومساجد، ودورها تشرف على النيل الأعظم، ومن ورائها البساتين، وهي أحسن بلاد الله منظرا.

وقد أخبرني الأمير الوزير المشير الإستادار يلبغا السالميّ رحمه الله أنه لم ير في البلاد التي سلكها من سمرقند إلى مصر أحسن من دمياط هذه، فظننت أنه يغلو في مدحها إلى أن شاهدتها، فإذا هي أحسن بلد وأنزهه، وفيها أقول:

<<  <  ج: ص:  >  >>