قال ابن وصيف شاه: واستخلف مناوش الملك فطلب الحكمة مثل أبيه، واستخرج كتبها، وأكرم أهلها، وبذل فيهم الجوائز، وطلب الأغراب في عمل العجائب، وكان كل من ملوكهم يجهد جهده في أن يعمل له غريبة من الأعمال لم تعمل لمن كان قبله، وثبت في كتبهم، وزبر على الحجارة في تواريخهم.
وهو أوّل من عبد البقر من أهل مصر، وكان السبب في ذلك أنه اعتلّ، علة يئس منه فيها، فرأى في منامه صورة روحانيّ عظيم، يقول له: إنه لا يخرجك من علتك إلا عبادتك البقر، لأنّ الطالع كان وقت حلولها بك صورة ثور بقرنين، ففعل ذلك، وأمر بأخذ ثور أبلق حسن الصورة، وعمل له مجلسا في قصره، وسقفه بقبة مذهبة، فكان ينجره، ويطيب موضعه، وكل به سائسا يقوم به، ويكنس تحته، ويعبد سرا من أهل مملكته، فبرأ من علته.
وهو أوّل من عمل العجل في علته، فكان يركب عليها البيوت من فوقها قباب الخشب، وعمل ذلك من أحب من نسائه، وخدمه إلى المواضع، والمنتزهات، وكان البقر يجرّه، فإذا مرّ بمكان نزهة أقام فيه وإذا مرّ بمكان خراب أمر بعمارته، فيقال: إنه نظر إلى ثور من البقر الذي يجرّ عجلته أبلق حسن الشية، فأمر بترفيهه، وسوقه بين يديه إعجابا به، وجعل عليه جلا من ديباج، فلما كان في يوم وقد خلا في موضع صار إليه، وقد انفرد عن عبيده وخدمه، والثور قائم إذ خاطبه الثور، وقال له: لو رفهني الملك عن السير معه، وجعلني في هيكل وعبدني، وأمر أهل مملكته بعبادتي، كفيته جميع ما يريد، وعاونته على أمره، وقوّيته في مملكته، وأزلت عنه جميع علله، فارتاع لذلك، وأمر بالثور، فغسل وطيب، وأدخل في هيكل، وأمر بعبادته، فأقام ذلك الثور يعبد مدّة، وصار فيه آية وهو أنه لا يبول ولا يروث ولا يأكل إلا أطراف ورق القصب الأخضر في كل شهر مرّة، فافتتن الناس به، وصار ذلك أصلا لعبادة البقر، وبنى مواضع كنز فيها كنوزا، وأقام عليها أعلاما، وبنى في صحراء الغرب مدينة يقال لها ديماس وأقام فيها منارا، ودفن حولها كنوزا.
ويقال: إن هذه المدينة قائمة، وإنّ قوما، جازوا بها من نواحي الغرب، وقد ضلوا الطريق، فسمعوا بها، عزيف الجنّ، ورأوا ضوءا يتراءى بها، وفي بعض كتبهم أنّ ذلك الثور بعد مدّة من عبادتهم له، أمرهم أن يعملوا صورته من ذهب أجوف، ويؤخذ من رأسه شعرات، ومن ذنبه ومن نحاتة قرونه وأظلافه، ويجعل في التمثال المذكور، وعرّفهم أنه يلحق بعالمه، وأمرهم أن يجعلوا جسده في جرن من حجر أحمر، ويدفن في الهيكل، وينصب تمثاله عليه، وزحل في شرفه، والشمس تنظر إليه من تثليث القمر زائد النور، وينقش على التمثال علامات الكواكب السبعة، ففعلوا ذلك، وكلّلوه بجميع الأصناف من الجواهر، وجعلوا عينيه جزعتين، وغرسوا في الهيكل عليه شجرة بعد ما دفنوه في الجرن الأحمر، وبنوا منارا طوله ثمانون ذراعا على رأسه قبة تتلوّن كل يوم لونا، حتى تمضي سبعة